-A +A
أسامة يماني
في بدايات القرن الثاني الهجري وفي بدايات نشأة الفقه وتأسيس الأصولية المستمدة من فهم الفقهاء لأحكام الشريعة الإسلامية، وضعت منظومة الحلال والحرام وتطورت بتطور الحياة والأحداث، إن منظومة الحلال والحرام التي أتت خارج النص الشرعي نتيجة اجتهادات في عصور ماضية معظمها هي نتاج مفاهيم قديمة تستوجب إعادة النظر فيها؛ لأنها هي وراء الصراع النفسي الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية، وأحد الأسباب الرئيسة وراء الازدواجية التي تعيق المجتمعات العربية والإسلامية وتشل حركتها وطاقتها للتقدم إلى الأمام.

يقول الأستاذ عمران سلمان أن هذه الازدواجية تجعل هذه «المجتمعات أمكنة مثالية لتفريخ جماعات ماضوية ومليشيات إرهابية تنشر الكراهية والعنف وتقاتل باسم الإسلام. وهو الأمر الذي دفع موقع «ترافل ريسك ماب» مؤخراً إلى وضع 15 دولة عربية وإسلامية على قائمة الدول الأكثر خطورة كلياً أو جزئياً بحسب مؤشر «المخاطر الأمنية» لعام 2022».


إن السعودية نجحت في الخروج من هذا الصراع والانحياز إلى قيم الحداثة والانفتاح، وذلك بفضل من الله وسياسات القيادة الحكيمة التي قررها ولي العهد السعودي ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الأمير محمد بن سلمان تنويهه بجهود المملكة في مكافحة آفة الإرهاب والتطرف، قائلاً: «لقد قدمت وعوداً في عام 2017 بأننا سنقضي على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر. خلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة». وتابع: «اليوم لم يعد التطرف مقبولاً في المملكة العربية السعودية، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزوياً. ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة».

السعودية اليوم تعيش روح الانفتاح وهي تسعى أن تكون جزءاً من اقتصاد المستقبل الذي لا يمكن الولوج إليه في ظل فكر ديني متطرف يحارب ويحرم الفن والسينما والتلفاز، ويعتبر الغناء حراماً وينظر إلى خروج المرأة وعملها بريبة، وذلك نتيجة لمفاهيم منغلقة غير قادرة على رؤية الحياة وبهجتها ودواعي قوتها وهو الاقتصاد.

المشكلة التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية عدم قدرتها على التفرقة بين الحرام والحلال الوارد في النص الشرعي، وبين الحلال والحرام في الفقه البشري الذي جاءنا بعد مئات السنين على البعثة النبوية. كما أن البنية المغلقة المتعالية التي انتجتها الأصولية التقليدية جعلت من الفكر محنطاً مرتبطاً بالأصول التي جاءت في كتاب الرسالة خارجة عن إطارها التاريخي القديم والحديث، وتتفاقم المشكلة بالتعصب الأعمى والالتزام بالمذاهب والفرق والقناعات الخاطئة والمواقف الأيديولوجية المسبقة.

يقول الدكتور هاشم صالح لقد نجح الدكتور محمد أركون لأنه أوضح «أكثر من مرة الفرق الأساسي بين إسلام العصر الذهبي وإسلام عصر الانحطاط. لقد بيّن الفرق بين الأخلاق الإسلامية - الفلسفية النبيلة التي بلورها كبار مفكري العصر الذهبي من معتزلة وفلاسفة، وبين الموجة الظلامية المنتشرة حالياً التي لا علاقة لها بالأخلاق ولا بالنزعة الإنسانية. ولهذا السبب يرى أركون أنه ينبغي تحرير الفكر العربي من السجن الدوغمائي المغلق الذي سجنتنا فيه عقلية القرون الوسطى. لقد دعا إلى الخروج من العقلية الدوغمائية والطائفية الضيقة. فالدوغمائية (الجمود العقائدي) إذا زادت على حدها تتحول إلى تحجر، فتعصب، فإرهاب. لقد كان إسلام العصر الذهبي المجيد، منفتحاً على الفلسفة اليونانية وبخاصة فلسفة أفلاطون وأرسطو... إلخ. أما اليوم فلا يوجد أي انفتاح وإنما انغلاق وانغلاق الانغلاق».

نحن في حاجة لمراجعة الفكر الإسلامي في العالم الإسلامي وتحريره من الحدود الضيقة التي يعيش فيها، والخروج من واقع مشاهد تعيشه هذه المجتمعات الإسلامية وذلك بتفكيك العقل الوثوقي الذي لا يقبل المخالف.

إن إعادة سلطة العقل وتحرير الفكر بعيداً عن التكفير ومحاكمة المخالف وبعيداً عن محاربة أنسنة المعرفة الطريق للمستقبل.