-A +A
طلال صالح بنان
تشهد العاصمة النمساوية فيينا مفاوضات ماراثونية بين إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، بوصفهما محوري تلك المفاوضات الرئيسيين، تشترك معهما في تلك المفاوضات كلٌ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى روسيا والصين. مما يزيد من تعقيد هذه المفاوضات وعدم القدرة على استشراف نتيجة إيجابية لها، رفض إيران الجلوس مباشرة مع الولايات المتحدة في حوار ثنائي وإصرارها على وجود الأطراف الدولية الأخرى، التي كانت متواجدة في اتفاق ٢٠١٥، أو تنصلت منه إدارة الرئيس ترمب السابقة عام ٢٠١٨.

إيران تتحاشى التفاوض ثنائياً مع الولايات المتحدة، خشية تحول المفاوضات إلى جلسة إملاءات، بالإضافة لرغبة طهران تدويل الأزمة، بانخراط فعاليات دولية فيها، بالذات أعضاء مجلس الأمن الدائمين والاتحاد الأوروبي ممثلاً بألمانيا، رغم أن هذه الفعاليات لم تحل دون تنصل واشنطن، في عهد الرئيس ترمب عام ٢٠١٨، من الاتفاق الذي أبرمته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، قبل ذلك بثلاث سنوات.


كلا الطرفين الرئيسيين في مفاوضات فيينا ينطلقان من مواقف متشددة، يرى كل فريق أنها مبدئية، تكاد لا تجمعهما أدنى قواسم التقارب المشتركة. طهران تريد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، على أن يكون أي اتفاق جديد ملزماً لأي إدارة أمريكية قادمة، حتى لا تتكرر تجربة نقض الاتفاق الأول.

إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة، وإن عبرت عن رغبتها العودة لاتفاق ٢٠١٥، إلا أنها تحاول استغلال نظام العقوبات المشددة التي فرضتها إدارة الرئيس ترمب، بالذات ما له علاقة ببرنامج إيران الصاروخي، مع التشديد على موقف واشنطن المبدئي من عدم السماح لإيران امتلاك السلاح النووي، بأي ثمن. بالإضافة إلى أن إدارة الرئيس بايدن لن تُقدم على إعطاء تعهد لطهران يتجاوز أي اتفاق جديد، لأي إدارة أمريكية قادمة، لأن ذلك ليس من صلاحياتها، دستورياً.

هناك أطرافٌ إقليمية، وإن كانت غير حاضرة في مفاوضات فيينا، إلا أنها تعمل من وراء الكواليس للضغط على واشنطن، من أجل عدم تجاهل مصالحها في أي اتفاق جديد مع طهران. دول الخليج العربية يقلقها أي اتفاق جديد بين واشنطن وطهران لا يأخذ في عين الاعتبار طموحات إيران التوسعية في المنطقة، وتهديدها المتواصل لأمنهم من خلال توغل الوجود العسكري لإيران في أربع دول عربية تحاصر دول مجلس التعاون الست من الشمال والجنوب.

إلا أن الضغط الأكبر على واشنطن يأتي من جهة إسرائيل، التي تدفع بقوة لإبقاء العقوبات الاقتصادية على طهران، بل وتشديدها، ودوماً ما تهدد تل أبيب بالتدخل عسكرياً للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، حتى لو قاد هذا الأمر إلى نشوب حرب إقليمية، قد يتسع نطاق مسرح عملياتها المنطقة بأسرها، مما قد يتطلب تدخل واشنطن عسكرياً، وهو أمرٌ لا ترغب فيه واشنطن وهي لتوها خرجت من أفغانستان، مع احتمال فتح جبهة جديدة مع الصين، في منطقة غرب الباسفيك.

مع بدء الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا، يوم الإثنين قبل الماضي، لا تلوح في الأفق بادرة انفراج محتملة في الأزمة، مع تعثر المسار الفني للمفاوضات ومواصلة طهران عملية تخصيب اليورانيوم، مما يجعلها أقرب لامتلاك السلاح النووي، بعيداً عن رقابة فعّالة لوكالة الطاقة الذرية، مع تهميش متزايد لأطراف مفاضات فيينا الأوروبيين والروس والصينيين.

الأزمة مرشحة للتصعيد مع احتمال خروجها عن سيطرة طرفي المفاوضات الرئيسيين، وقد تأخذ مساراً أكثر عنفاً، في أي لحظة.