-A +A
صدقة يحيى فاضل
تعني مساهمة الشخص في الشأن العام ببلده: الانخراط، بشكل أو آخر، في ممارسة السياسة، ومحاولة تقديم خدمة للناس بمجتمعه ككل. وبالاصطلاح العلمي السياسي يطلق على هذه المساهمة، مهما تواضعت، «المشاركة السياسية»، والتي تعرف بأنها: قيام الشخص بممارسة حقوق، ومهام، تتعلق بإدارة بلاده، وتسيير أمورها العامة. أي أن هذه المشاركة تعتبر الآن حقا وواجبا. ومن ذلك: ممارسة حق (واجب) الترشيح والترشح للمناصب العامة، بمختلف مستوياتها. وكلمة «شخص» تعني الرجل أو المرأة. ولكن المرأة في العالم لم تنل (بالفعل) ما يعرف بالحقوق السياسية (المشاركة السياسية) إلا قبل حوالى قرن من الزمن، أو أقل. فلم يتم تبني المساواة في الحقوق والواجبات السياسية بين الجنسين، في دساتير (نظم) أغلب العالم، إلا حديثا. حيث كان ذلك الحق وقفا على الذكور. ومنذ دخول النساء إلى ممارسة السياسة، لم تلاحظ فروقا، أو سلبيات جوهرية تذكر لهذه الممارسة – مقارنة بممارسة الساسة الرجال. بل لوحظت بعض الفروق، لصالح المرأة... كميل السياسيات المنتخبات إلى نبذ العنف والحروب، والاهتمام بالشؤون الأسرية والاجتماعية والإنسانية – أكثر من الرجال.

****


أما على مستوى الفكر (السياسي) فيحسب الفيلسوف أفلاطون (427-347 ق.م) من أوائل – إن لم يكن أول – من طالبوا بالمساواة بين الرجل والمرأة، في ممارسة السياسة – خاصة في كتابه الشهير «الجمهورية». كانت المرأة في عهد أفلاطون مجرد ربة بيت، ولا يحق لها أن تمارس أي فعل يندرج ضمن المشاركة السياسية في مجتمعها. وبعد أفلاطون، طالبت قلة من فلاسفة السياسة العالميين بحصر المشاركة السياسية في الذكور. غير أن الغالبية الساحقة من الفلاسفة، ومنذ العصور القديمة حتى الآن، ترى لزوم المساواة بين الجنسين في ما يتعلق بالمشاركة السياسية، وترى: أن من «الضروري» تطبيق مبدأ المساواة الكاملة، لعدم وجود مبرر منطقي – في رأيهم – للتفرقة في هذا الشأن. ومن أشهر الفلاسفة السياسيين الذين دعوا بحماس للمساواة بين الجنسين في ممارسة السياسة، الإنجليزي «جون ستيوارت ميل» (1806– 1873م).

وهناك من علماء الشريعة الإسلامية من يرى: أن المرأة تتساوى مع الرجل في حق المشاركة السياسية. بينما يرى آخرون أن لا حق للمرأة في هذه الممارسة. ولا أدري – بالفعل – أي الرأيين أرجح... والمؤكد أن الشريعة الإسلامية أنصفت المرأة، ولم تفرق بين الرجل والمرأة إلا في أمور محددة، تقتضيها الفروق الجسمانية والنفسية بين الجنسين، والتي يأتي في مقدمتها: الطلاق، الإرث، التعدد الزواجي، الإمامة، القوامة، الشهادة. وفيما عدا ذلك، هناك (والله أعلم) تساوٍ في الحقوق والواجبات بين الجنسين.

*****

ويمكن، في الواقع، الحديث عن تطور قضية المشاركة السياسية بالنسبة للنساء والرجال، في العالم، بصفة عامة، عبر إيجاز الشروط العامة اللازم توفرها في من يكون له حق الانتخاب (الترشيح) أو المرشح – بكسر الشين – وخاصة في ما يتعلق بالجنس، والتي أهمها، في معظم دول العالم الآن، هي:

1- أن يكون مواطنا، يحمل جنسية البلد المعنى.

2- ألا يقل عمره عن حد معين (18-21 سنة).

3- أن يكون كامل الأهلية العقلية والقانونية.

4- أن يحظى بقدر من التعليم.

وتضيف كل بلد ما تراه من «شروط» ثانوية إضافية، يتساوى في ذلك الرجل والمرأة. أما شروط المرشح – بفتح الشين – فتتشدد أكثر، خاصة في بعدي السن، والتعليم... حيث يُشترط سن لا يقل عن 25 سنة، لمن يسعى لترشيح نفسه... ليتولى منصبا عاما. كما يُشترط حصول المرشح على ما لا يقل عن الثانوية العامة.

وفى بدء المد الديمقراطي، كانت بعض الدول تشترط نصابا ماليا معينا – لتسمح لأي مواطن بالمشاركة السياسية. واستبعدت معظم تلك البلاد المرأة... وقصرت المشاركة على الرجال فقط. وكان حرمان النساء من حق الترشيح والترشح لا يعتبر مخالفا لمبدأ المساواة. أما الآن، فإن ذلك الحرمان يعد - متى حصل - خروجا على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، وكل حقوق الانسان!

****

وتعتبر ولاية «وايومنغ» (Wyoming) الأمريكية أسبق البلاد في إقرار مبدأ مساواة الجنسين في المشاركة السياسية. إذ أقرت هذه الدويلة «حق» النساء في المشاركة السياسية - على قدم المساواة مع الرجال- عام 1869م. ثم تبعتها ولايات أمريكية أخرى، اعتبارا من سنة 1890م. ولكن لم يتم الأخذ بمبدأ المساواة هذا على المستوى الفيدرالي (كل الولايات) إلا بعد إجراء تعديل دستوري، سنة 1920م ساوى بين الجنسين في الحقوق الانتخابية والسياسية، على كل المستويات.

وبعد ذلك، شرعت الدول، الواحدة تلو الأخرى، في تبني هذا المبدأ. وكانت نيوزيلندا أول من اعترف – في التاريخ المعاصر - بحقوق انتخابية جزئية للمرأة، سنة 1892م، وبحقوق المشاركة كاملة سنة 1940م. ثم النرويج، سنة 1907م، وأستراليا سنة 1914م، والدنمارك عام 1915م. ثم السويد، سنة 1920م، وهولندا سنة 1921م، وبريطانيا (سنتي 1894 و1928م) وتركيا سنة 1934م، ثم فرنسا عام 1944م، وإيطاليا عام 1945م.

وكان الاتحاد السوفييتي، وبقية دول المعسكر «الشيوعي» السابق، والصين واليابان، وغيرها، قد أخذوا بهذا المبدأ ابتداء من العام 1917م. ثم بعد ذلك أخذت أغلب دول العالم به تباعا. وفى العالم العربي، تبنته لبنان عام 1953م، ومصر عام 1956م، وتبعتهما دول عربية أخرى، حتى وصل هذا المد لكل العالم العربي، بما فيه دول الخليج العربي. ووصلت المرأة بمعظم هذه الدول لمرتبة الوزيرة والسفيرة. وجاء تكليف السيدة نجلاء بودن، رئيسة للوزراء في تونس، اعتبارا من شهر أكتوبر 2021م، ليجعلها أول امرأة عربية تتولى هذا المنصب، تتويجا لهذا المد في عالمنا العربي. وقد نتحدث بالمزيد في ذات الموضوع، لاحقاً.