-A +A
منى المالكي
قبل الدخول لصالة السينما، فوجئت وأبنائي بشخص يقترب منا بملابس غريبة ممزقة ومهترئة وبألوان حمراء على شفتيه وزرقاء حول عينيه تمثل الرعب لتلك الشخصية التي اقتنصها من العالم المخيف لروح شريرة تحوم حولنا في عيد «الهالوين»!!

هذه الحادثة جعلتني لا أتابع الفيلم -للأسف- الذي حرصت على حضوره!! وأخذت التساؤلات تداهمني من كل ناحية، هل عقولنا تُعرَف من خلال ثقافتنا، أم ثقافتنا تُعرَف من خلال عقولنا؟ وأيهما مقدَّم على الآخر؟ هل الاحتفال بالهالوين بكل حمولاته الثقافية يمثل شخصياتنا ورؤانا الأيديولوجية مثلا؟! كيف تسربت لنا تلك المفاهيم المعقدة لاحتفالات تقوم على فكر عقدي مثلا (الهالوين، الفالنتين) على سبيل المثال فهي ترتكز على فلسفة ومعتقد وفكر، وهي ليست من السهولة بمكان أن تتغلغل وتعكس حضورها القوي لدينا إلا لأسباب متعددة، وهنا لا أحصر هذه التساؤلات وحضورها في الوقت الراهن، فالتغلغل الثقافي للآخر موجود على خارطتنا منذ مدة طويلة، والحضور الذي أقصده هنا هو الذي يمسخ الشخصية ويحولها لتابع يسلم بكل الحمولات الثقافية الواردة إليه بدون تفكير وتمحيص وكأنه حاطب ليل!


نعترف جميعا أن هناك تحديات ثقافية تحاصرنا في عالم أصبح «قرية واحدة» ولعلنا نرتكز على مثال واحد فقط، هو التحدي اللغوي الذي نعيشه يتمثل في تهميش اللغة العربية واستعمالاتها داخل الحديث اليومي، فاللغة وثيقة الصلة بحياة أصحابها، فلا يمكن التفكير بلغة تختلف عن لغة نستخدمها في حياتنا اليومية، وهذا التشتت نلاحظه الآن في الموسيقى والأزياء والطعام ومسميات الاحتفالات وغيرها هذا كله نتيجة فقدان البوصلة بين من نحن؟ وماذا علينا أن نكون؟!.

علينا أن نقف مجدداً على مثل هذه التساؤلات، وأن نفكر ونمحص ليس من باب الحراسة على أفكار وحريات الآخرين، ولكن لأن الثقافة بمعناها الواسع الشامل الذي يغطي كل جوانب الحياة إبداع، تجديد، أخلاق، موروث، إنتاج، تفاعل، فعل إبداعي، انفتاح، ثم تعدد ثقافات تتفاعل لتخلق حالة من جدل التطور، أو جدل الفكرة ونقيضها، هذا ما يخلق خطابا ثقافيا حقيقيا.

ما نحتاجه في اعتقادي، هو أن نعيد تصحيح المفاهيم المؤثرة المهمة في تشكيل هويتنا: مثل الخصوصية، الآخر، حتى نفهمها بشكل سليم. فلا يمكن أن يتشكل خطاب ثقافي حقيقي على أساس شعبوي! الخطاب الثقافي بغض النظر عن تعبيراته وأشكاله المختلفة، هو نتاج نظام اجتماعي، ينتج خطابه الثقافي فيتفحص الماضي والحاضر، ويفكك القيم العتيقة، التي لا تزال تحول دون امتلاكنا قيمًا جديدة تتناسب مع عصرنا الذي نعيشه، ويقدم لنا آليات تواكب التطور الهائل الذي نعيشه مع الحفاظ على قيم وأخلاقيات تحقق التوازن المنشود.