-A +A
عبدالرحمن الطريري
أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا عن اتفاقية أمنية خاصة لتبادل تقنيات عسكرية متقدمة في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني، ومن خلال هذه الشراكة ستتمكن أستراليا من بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية لأول مرة في تاريخها. وحملت الاتفاقية اسم «أوكوس».

ومثّلت الاتفاقية أول خطوة جدية لمواجهة التمدد الصيني بعد مغادرة الجيش الأمريكي لأفغانستان، الأمر الذي شكّل صورة سلبية عن واشنطن كدولة تغادر الميدان بعد خسائر بشرية ومادية، وكانت عودة طالبان السريعة مفاجئة، هذا الأمر أيضا صور الولايات المتحدة كمن تتخلى عن حلفائها.


لذا تأتي الاتفاقية الأمريكية البريطانية الأسترالية لتعزيز صورة الحليف الموثوق، وبموجب هذه الاتفاقية ألغت أستراليا عقداً موقعاً مع فرنسا عام 2016، لبناء غواصات فرنسية التصميم، مما دعا وزير الخارجية الفرنسي ليسمي هذه الخطوة «طعنة من الخلف».

الفرنسيون علقوا على هذه الخطوة بأنه لا يوجد فارق حقيقي بين ترامب وبايدن، فكلاهما ينفذ سياسة أمريكا أولاً، حتى لو كان ذلك على حساب الحلفاء، وأن إلغاء الاتفاقية يعد أمراً خطيراً.

غضب باريس وصل لدرجة سحب السفير في كل من واشنطن وكانبرا، وهذه السياسة الأمريكية التي تعزز وحدة الدول الناطقة بالإنجليزية، على حساب حليف تاريخي كأوروبا، وتحديداً فرنسا التي قد يقربها غضبها من الصين وروسيا، مما يشكل خطأً إستراتيجياً أمريكياً، خاصة والصين استخدمت قوتها الناعمة أثناء الجائحة، وكان لدورها قبول شعبي، خاصة في دول شعرت بالخذلان كإيطاليا.

وكانت الدول الناطقة بالإنجليزية أطلقت تحالف العيون الخمس منذ الحرب العالمية الثانية، الذي يشمل أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزلندا، والذي يسمح لاستخبارات الدول الخمس بتبادل المعلومات.

ويبدو هذا التحالف يقترب أكثر من التوسع على قاعدة التصدي للصين، كما كان الناتو قوات مشتركة لردع الاتحاد السوفييتي، حيث أشارت بعض الأنباء إلى التفكير جدياً بضم اليابان وكوريا الجنوبية إلى هذا التحالف، وهو الأمر الذي يتحمس له بالدرجة الأولى البريطانيون، ومما لا شك فيه أن انضمام اليابان وكوريا سيكون مزعجاً للغاية بالنسبة للصين.

أرادت الولايات المتحدة كما رددت في العقدين الأخيرين التحلل من الالتزامات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، فغادرت العراق تقريباً، وغادرت أفغانستان بالكامل، ولم تبد حماساً لمشاركة حقيقية في سوريا، وكان العنوان المشترك التصدي للصين.

من شأنها تسعى الصين للاقتراب أكثر من الشرق الأوسط، فبين معاهدات مع إيران واتفاقيات مع باكستان، تجد في أفغانستان فرصة إضافية للتمدد، وخلق ضغط على حليف أمريكي آخر وهو الهند.

يريد الغرب تطوير استراتيجية عسكرية لمحاصرة الصين، يضعفها تحدي الأولويات والتحالفات، فالصين لديها النفس الطويل والاقتصاد القوي الذي يسمح لها باللعب على أكثر من ساحة، دون الشكوى من ميزانيات لم يقبلها الكونجرس، كما أنها غيرت من خطابها الهادئ، حيث رفعت نبرتها وسمت الاتفاقية الأخيرة بأنها «غير مسؤولة» و«ضيقة الأفق».