-A +A
محمد الساعد
في العام 1998، وفي عمل عسكري متهور أغار تنظيم القاعدة على سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتنزانيا، الهجوم المتزامن أسفر عن مقتل 224 شخصا، وإصابة 5 آلاف آخرين. بالطبع كان الهجوم مروعا ومستفزا للرأي العام الأمريكي، وجاء قبيل سنة من الانتخابات الرئاسية الجديدة، التي كان الديموقراطيون يطمحون لإكمال دورة ثالثة فيها، فكان لا بد من تحرك عسكري أمريكي -متحكم به- ينفس الاحتقان.

لم يكن ذلك الهجوم الإرهابي الأول على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وتحديدا خلال إدارة الرئيس الأمريكي الديموقراطي بيل كلينتون، إذ سبقه هجوم على سكن لخبراء عسكريين أمريكان في الرياض العام 1995، تبنته القاعدة، وتباهى به زعيمها أسامة بن لادن، في العام التالي 1996، قام الطرف الآخر من معادلة الإرهاب المتأسلم في المنطقة «حزب الله الشيعي»، نيابة عن إيران هذه المرة، بتفجير شاحنة مفخخة استهدفت مقرا سكنيا لعسكريين أمريكيين في مدينة الخبر شرق السعودية. الانفجار كان ضخما جدا وتم عبر خطة استخباراتية استخدمت مواطنين سعوديين خونة، هربوا لفترة وجيزة، لكن السلطات السعودية استطاعت استعادتهم ومحاكمتهم.


تمت الملاحقة للإرهابيين على مدى سنوات شملت بحثا استخباراتيا معقدا وبدون مساعدة أمريكية، التي لم تتفاعل بجدية مع الملف ولا مع ملفات شبيهة، إذ أرسلت السلطات السعودية للأمريكان معلومات وأدلة تفصيلية كاملة عن العملية الإرهابية الإيرانية في الخبر، إلا أن الأمريكان تجاهلوها، في سعيهم لاسترضاء القاعدة والإيرانيين، أو لنقل توظيفهم لتحقيق مصالحهم الإستراتيجية مع قبول أضرار جانبية تصب في نهاية الأمر لصالح الإدارة الديموقراطية حينها، كان مثيرا جدا للاستغراب، تباطؤ إدارة بيل كلينتون في ملاحقة قتلة جنودها، وكأنها تريد للعصابات الإرهابية في قندهار وطهران الإفلات من العقاب.

دعونا نراجع ما حصل بعد تفجيري كينيا وتنزانيا لنفهم الموقف أكثر..

تحت ضغط الرأي العام الأمريكي، وإحساس شعبي بالإهانة، قامت إدارة بيل كلينتون بعمل عسكري دعائي لا أكثر، هاجمت مصنع الشفاء في السودان، وقواعد عسكرية للقاعدة في أفغانستان أخليت قبل ساعات من وصول صواريخ توما هوك وكروز الأمريكية لقصفها، وكأن هناك من أبلغ أسامة بن لادن بضرورة إخلاء مراكزه قبل الهجوم، فمن الذي مد بن لادن بالمعلومات، ومن كان حريصا على إبقائه حيا حتى تستنفد أغراضه.

لقد كان أسامة بن لادن يحظى برعاية كاملة من تنظيم الإخوان بفرعيه السوداني تحت قيادة عمر البشير، والأفغاني تحت قيادة الملا عمر، بل إن الأمريكان رفضوا قرار السعوديين بعدما أعلنوا تجريد بن لادن من جنسيته وملاحقته بتهم إرهابية.

اليوم يستدعي الديموقراطيون في إدارة جون بايدن نفس سياسة بيل كلينتون، ويقومون بتدوير نفاياتهم الإرهابية نفسها، ولم لا.. فقد أثبتت الجماعات المتطرفة قدرتها على تلبية احتياجات السياسة الأمريكية في أي مكان بالعالم، في العراق تم إفشال بلد الثروات والخيرات بسبب المليشيات الشيعية المتطرفة، وفي سوريا نفذت داعش نفس المهمات بعدما ولدت من رحم قاعدة الجهاد وبرعاية كاملة من مخابرات إقليمية وغربية، بالطبع روعت الآمنين وقتلت الأبرياء وهجرت الملايين، والمهم هو تحولها إلى تنظيم جاذب لكل متطرفي أوروبا، الذين قتلوا وتم التخلص منهم للأبد في سوريا.

هجوم مطار كابول الأخير يذكرني كثيرا بهجوم تنزانيا، وحتى الرد الأمريكي عليه هو في نهاية الأمر جزء من لعبة التنفيس الداخلي لا أكثر، فأعداد القتلى كبيرة جدا، ولا مانع من وجود أمريكان بينهم، فهم في نهاية الأمر يذهبون للقتال، لكن الأهداف الإستراتيجية الأمريكية بعيدة ولا يمكن رؤيتها اليوم، إلا أن ملامحها تظهر في دخان حروب وإرهاب يصل بين الصين والجزيرة العربية، تذكيه أيادي داعش والقاعدة اللذين هما في نهاية الأمر وجهان لعملة إرهابية واحدة، صنعت على أعين المخابرات الأمريكية والغربية.