-A +A
رامي الخليفة العلي
على امتداد السنوات الماضية كانت القنوات مفتوحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان. بالتزامن مع ذلك وصل كثير من الساسة الأمريكيين إلى قناعة بأن الحرب في أفغانستان أصبحت حرباً عبثية ذات تكلفة باهظة وهي تستنزف الولايات المتحدة مادياً وبشرياً وسياسياً، ولعل السؤال الذي طرح على كافة الإدارات الأمريكية منذ بوش هو كيفية الخروج من هذه الحرب بأقل خسائر ممكنة. لا بل إن قرار الخروج من أفغانستان اتخذه الرئيس السابق دونالد ترمب وقطع فيه مع قياداته العسكرية الشوط الأكبر. ومع كل ذلك فإن المشهد الذي عرضته شاشات التلفزة العالمية خلال الأسبوع الماضي سيبقى عالقاً في الذاكرة الأمريكية والعالمية لوقت طويل جداً، بل أعاد صوراً مؤلمة للذاكرة الأمريكية لطالما حرص العقل الجمعي الأمريكي على تجاوزها، نعني الانسحاب المذل من سايغون في فيتنام في العام 1975، وكما مثلت الطائرة الحوامة التي حطت لإجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين في فيتنام رمزاً للهزيمة الأمريكية فإن الطائرة العسكرية التي تخترق الحشود وتلقي من على كاهلها من تعلقوا بها من الأفغان، هذه الصورة ستبقى دلالة على نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى في التاريخ الأمريكي المعاصر، بل لا نبالغ إذا ما قلنا التاريخ العالمي. وبالرغم من الفوارق الشاسعة بين أفغانستان 2021 وفيتنام 1975، إلا أن الهزيمة واحدة ومرة على الغرب عموماً وعلى واشنطن خصوصاً. إذا كان السياق العام هو الذي أوصل الولايات المتحدة إلى هذه النتيجة إلا أن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن المشهد الختامي من الاحتلال الأمريكي لهذا البلد. ولعل ترمب قد وصف الإدارة السيئة لبايدن أصدق توصيف عندما انتقد بشدة طريقة التعامل مع خروج القوات الأمريكية في الأسابيع الأخيرة، وتساءل الرئيس السابق لماذا لم يكن الخروج منظماً بحيث يتم إخراج الجاليات الغربية والمتعاونين من الأفغان ثم يخرج الجنود الأمريكيون في نهاية المطاف.

الخطاب الذي تحدث به الرئيس الأمريكي كان تبريرياً بالدرجة الأولى، وكان مدافعاً عن قرار يبدو خطأه كالشمس في رابعة النهار. فالرئيس لم يتحلَّ بالشجاعة للاعتراف بالأخطاء الاستخباراتية والعسكرية، بل وخطأه على المستوى الشخصي عندما فشل في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بدا الرئيس كأنه متفرج ولم يتدخل إلا عندما استفاق على واقع الهزيمة النكراء ليخرج ويدافع بطريقة مرتبكة وساذجة. هذه الهزيمة حولت الولايات المتحدة الأمريكية من الإمبراطورية الأقوى في التاريخ إلى دولة قوية فشلت في أن تقوم بأعباء الدور الإمبراطوري.


بالترجمة الإستراتيجية فإن العالم ينتقل من عالم القطب الأوحد الذي تمثله الولايات المتحدة إلى عالم متعدد الأقطاب، القطب الأبرز فيه هو الولايات المتحدة أيضاً ولكنها ليست الوحيدة. نعم، العالم بعد سقوط كابول وهزيمة الولايات المتحدة ليس كالعالم قبل ذلك.