-A +A
صدقة يحيى فاضل
تثير التطورات السياسية الأخيرة بالمنطقة، وخاصة ما يحدث الآن بأفغانستان، الكثير من الأسئلة، والتساؤلات المشروعة: ماذا يحدث، ولماذا؟! وصعوبة الإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة، تكمن في كون ما يحدث متشعب الجوانب، متعدد الأبعاد، معقد الجذور. ولذلك، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن، عند التطرق لما هو كائن، هو: من أي زاوية يستحسن أن ننظر لما يحدث، كي نخرج باستنتاجات صحيحة، تفيد في صياغة «رد فعل»، ينتصر للضحية، ويحمي حقوقها المشروعة. ومن تلك الزوايا الممكنة: سياسة القطب الحالي نحو المنطقة، سياسة التدخل العسكري الأمريكي في بعض الدول، «المؤامرة الكبرى»، الواقع السياسي الداخلي للمنطقة، الوضع العقائدي بالمنطقة... إلخ. أو لنستمع إلى نصيحة خبراء السياسة والعلاقات الدولية الذين يرون أن: فهم ما يجري في منطقة «شرق العجائب الأوسط»، لا يمكن أن يصح، إلا بفهم خمسة أمور، هي: النظام العالمي الراهن، سياسة الأقطاب السائدة تجاه المنطقة، نظرية الاستعمار الجديد، أنواع الحكومات وطبيعة كل نوع، الحركة الصهيونية وأهدافها.

وإن نظرنا إلى حدث أفغانستان من زاوية سياسة التدخل العسكري الأمريكي في بعض دول العالم، سنجد أن معظم هذه التدخلات انتهت بكوارث في الدول المتدخل فيها. في كل تدخل، كان الهدف هو: فرض التبعية لأمريكا، وإزاحة المناوئين لأمريكا، والاستفادة من موارد الدولة المتدخل فيها، ما أمكن. فقط في قلة من الدول، نجم عن التدخل العسكري الأمريكي فوائد مشتركة (اليابان، جنوب كوريا، مثالان). أما في المنطقة العربية والإسلامية، فغالبا ما يحصل العكس (أفغانستان، العراق، مثالان).


****

حددت أمريكا أهدافها عندما غزت أفغانستان عام 2001، بأنها:

- إزاحة حكومة «طالبان» من السلطة.

- محاربة الإرهاب، ومنع أن تكون أفغانستان مصدرا للعمليات الإرهابية.

- إقامة حكومة ديمقراطية بأفغانستان.

والآن، وبعد عشرين عاما من الحروب، والقتل والتدمير، نرى أن: «طالبان» تعود إلى السلطة، وبالقوة، وبعض خلايا الإرهاب ما زالت ترابط بأفغانستان، والحكومة الأفغانية شبه الديمقراطية التي أقامتها أمريكا تنهار، كنمر من ورق. وما حصل بالعراق أدهى وأمر. والآن، يحسب البعض كل من أفغانستان والعراق كدولتين فاشلتين. والسؤال الذي يجب طرحه هنا، هو: هل ما حصل بأفغانستان والعراق، أمر مقصود، أم أنه فشل سياسي أمريكي جديد؟!

هذا ربما يذكر بمقولة «هنري كيسنجر»، أستاذ العلوم السياسية، وأشهر وزير خارجية أمريكي، عندما قال بأنه يجب على أمريكا عندما تتدخل في أزمات بعض الدول، أن: «لا تحاول حل الأزمات، بل الاستفادة منها، بما يخدم المصلحة الأمريكية». كان كيسنجر من الساسة الذين لا يهتمون كثيرا بالمبادئ في رسم وتنفيذ السياسات الخارجية، ولا يعطون أهمية كبيرة للقوة الناعمة. وأظن أن رأي كيسنجر هذا لا يمكن قبوله في معظم أزمات اليوم. لأن تطبيقه، ببساطة، يسيء لسمعة أمريكا، وربما يضر أيضا بمصالحها القومية، ومكانتها في العالم.

****

إن ما حصل بأفغانستان هو عبارة (بلغة اليوم) عن اغتصاب للسلطة الأفغانية الشرعية بالقوة. فالأصل أن تتجسد كل الحركات والتوجهات في هيئة «أحزاب سياسية»... وأن تتنافس هذه الأحزاب على السلطة، عبر صناديق الاقتراع، ولينتخب كل مواطن أفغاني من يراه مناسبا. وفي نهاية المطاف، سنجد منتخبين من كافة أطياف الشعب الأفغاني، يضمهم برلمان، تنبثق منه السلطة التنفيذية. أما أن يمتلك فصيل ما ميليشيا، ويقفز إلى السلطة بالقوة، فهذا لا يؤسس لحكومة تقبلها غالبية أي شعب.

وبما أن حركة طالبان قد استولت على السلطة، فإن قبولها، محليا، ودوليا، رهن بقيامها بمراجعة الدستور، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قريبا، تتنافس فيها كافة الفصائل الأفغانية، بما فيها طالبان. وتكون الكلمة الفصل للشعب الأفغاني. ولا يعتقد أن غالبية الشعب الأفغاني تميل لطالبان. صحيح، هناك نسبة، قد لا تزيد على ثلث الشعب الأفغاني، تؤيد طالبان. أما الثلثان الآخران، فله تفضيلات أخرى، كما يبدو.

****

ولا شك، أن حركة «طالبان» تعتبر من أكثر حركات الإسلام السياسي تطرفا. ورغم وجود «تفاوت» في مدى «تطرف» و«تشدد» التيارات السياسية الإسلامية المختلفة، إلا أن أكثر هذه التيارات اعتدالاً ووسطية غالبا ما يتوق لتولي السلطة، والهيمنة عليها ـ سواء عن طريق الديمقراطية وصناديق الاقتراع، أو غيرها. ومن ثم «تأبيد» نفسه فيها... وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بإقصاء واستبعاد الآخرين من التيارات الأخرى. وربما كانت حركة «داعش» هي أكثر هذه التيارات تطرفاً وتشدداً وتحجراً. حيث لوحظ عليها أنها:

1- تعتبر نفسها الفرقة الأفضل، ومالك الحكمة الأصح، وأنها الأسمى على ما عداها من بشر ـ (العنصرية).

2- متشددة في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية، والأخذ بأكثر التفسيرات جموداً وتطرفاً، والغلو والتنطع في كل أمر.

3- تعتبر «الديمقراطية» رجسا من عمل الشيطان... وإن تطلب الأمر للوصول إلى السلطة عبرها، بالانتخابات. ولكن، بعد الوصول للسلطة، لا بد من وقف «مهزلة الديمقراطية»...؟!

4- تنظر إلى المرأة نظرة سلبية، وتعتبرها مخلوقاً منحطاً.

5- تركز على الحياة الآخرة، وعدم الاهتمام (بشكل مناسب) بالحياة الدنيا.

6- تقبل بالديكتاتورية، وتحظر معارضتها.

7- تحقر مخالفيها وتعتبر بعضهم كفاراً، لدرجة إرهابهم واستحلال دمهم.

****

وإن أخذت حركة «طالبان» بهذه المبادئ، أو بمعظمها، فسوف تلاقي نفس مصير داعش.