-A +A
رامي الخليفة العلي
في زحمة الفيديوهات القادمة من العاصمة الأفغانية كابول، عندما كان مقاتلو حركة طالبان يفرضون سيطرتهم على العاصمة، استوقفني فيديو واحد، على زعماء حركة طالبان وكل الحركات والتنظيمات التي تدعي الانتماء إلى الإسلام السياسي، أن يتأملوه جيدا وينظروا كيف يقذف الشعب الأفغاني بنفسه على أرصفة المطارات، ويتعلق بذيل الطائرة العسكرية الأمريكية بالمعنى الحرفي للكلمة حتى لو أدى ذلك أن يسقطوا من ارتفاعات شاهقة. قرر الشعب الأفغاني أن يهرب من تيارات سياسية أيديولوجية لطالما فرضت نموذجها عنوة على الشعوب مما شوه الإسلام وجعلوا المسلمين قبل غيرهم ينفرون منه. من نافل القول إن سقوط كابول ذكّرنا وذكّر العالم بلحظة سقوط سايغون الفيتنامية في منتصف سبعينات القرن الماضي عندما نزلت الطائرة الأمريكية على سطح السفارة لإنقاذ دبلوماسييها، وتكرر المشهد بحذافيره هذه المرة أيضا، لكي تمثل أفغانستان هزيمة جديدة للجيش الأمريكي، ولكي تبقى الحرب الأفغانية تحفر عميقا في الذاكرة الأمريكية. وهكذا فشلت الإدارات المتلاحقة في إقرار وضع سياسي مستقر في هذا البلد المضطرب، لتذهب أرواح مئات الأمريكان وعشرات الآلاف من الأفغان هباء لينهار عمل عقدين من الزمن وكأنه بيت من الرمال. الفشل الأمريكي حوّل الجبال الأفغانية إلى مستنقع للسياسات الأمريكية وأطاح بالإمبراطورية الأقوى في التاريخ وجعلها لقمة سائغة بيد ثلة لا وجه للمقارنة بين قوتها وقوة الجيش الغازي.

بعيدا عن حسابات واشنطن وتوازناتها الإستراتيجية، فإن ما حدث في أفغانستان يتركنا أمام معضلتين سوف تؤرقان العالم الإسلامي على مدى السنوات القادمة وعلينا التحسب لهما جيدا: الأولى هي النموذج الذي تمثله حركة طالبان والذي سوف يظهر باعتباره ممثلا للإسلام وهذا سوف يزيد من تشويه الدين السمح. التحدي كبير أمام الدول الإسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الممثلة للوسطية الإسلامية، فنحن أمام صورتين لطالما تصارعتا خلال العقود الماضية، التيارات المتشددة بمقابل الإسلام الوسطي السمح، التيارات التي تستخدم العنف كأهم أداة في العمل السياسي بمقابل دين السلام المقتدي بقول الله جل وعلا (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، التيارات التي تستخدم الدين مطية لتحقيق أهداف سياسية والمجتمع الذي يخدم الدين ويقدمه بصورة ناصعة. لكي تنجح مقاومة تلك التيارات فهذا بحاجة لعمل جاد ليس فقط من الدول ولكن من الدعاة والشيوخ ورجال الدين والمجتمعات الإسلامية برمتها. أما المعضلة الأخطر فهي المعضلة الأمنية، فبعدما تم القضاء على الوجود المادي لداعش ومحاصرة القاعدة والإطاحة بالإخوان المسلمين في أكثر من بلد إسلامي، نخشى أن تجد الجماعات المتطرفة موطئ قدم لها في أفغانستان، فتتحول كابول إلى ثقب أسود يجذب كل المتطرفين ويعيد تصديرهم للعالم الإسلامي وكذا للعالم برمته لنبدأ جولة جديدة من الصراع الدامي مرة أخرى ضد الإرهاب، حيث غالبا ما يكون الضحايا من المسلمين.


في ليلة سقوط كابول كثير من الهواجس والأسئلة القلقة والتي تجعل حلم السلام الذي تطمح إليه شعوب المنطقة يبتعد أكثر وأكثر. لحظة فارقة ترفع التحدي عاليا أمام الشعوب الإسلامية قبل غيرها.