-A +A
أريج الجهني
أعتقد أن أكثر ما كنا نسمع مفردة «الدعم اللوجستي» في حياتنا الاجتماعية، هو عند تدخل الجدات لتدليل الأحفاد أو منحهم المزيد من الترفيه أو معارضة قرارات الوالدين، وتمرير المزيد من الصلاحيات على سبيل المزح. والواقع أن استخدام مفردة الدعم اللوجستي مرتبط منذ القدم بالتكتيك العسكري في توريد ونقل وحفظ المواد والأسلحة والحفاظ عليها، حتى تطور الاستخدام وارتبط بعلم الإدارة، فاليوم مثلاً يطلق على عمليات الحصول على الموارد وتخزينها ونقلها إلى وجهتها النهائية لتشمل إدارة اللوجستية تحديد الموزعين والموردين وتحديد فعاليتهم وإمكانية الوصول إليهم ويشار إليهم بالمديرين اللوجستيين. واليوم نشهد تدشين المنصة اللوجستية وإعادة تعيين مسمى وزارة النقل لتصبح رسمياً (وزارة النقل والخدمات اللوجستية)، وهي شرارة تحول تاريخي مفصلي في جودة الحياة وبالتزامن مع اندماج وزارة الشؤون البلدية والإسكان لنشهد صعود كيانات خدمية متميزة تمس حياة الإنسان السعودي اليومية.

توليد وظائف، جودة وسلامة التنقل، إتاحة خيارات أكبر للتنقل محلياً وعالمياً، وأخيراً تبني أحدث أنماط التنقل وتحسين تجربة المستفيدين، هكذا صرح معالي المهندس صالح الجاسر وزير النقل والخدمات اللوجستية خلال المؤتمر الصحفي الخاص بإطلاق الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، والتي جاءت برعاية ومباركة القيادة الحكيمة، وامتداداً لخيرات رؤية ٢٠٣٠ التي نعيشها ونحيا بها في كل لحظة، بلا شك أن مكانة المملكة وموقعها القيادي والتاريخي يتطلب هذا التحول المبهج أن تعيشه وتعاصره، لأنه قد يبدو لوهلة أنه حلم كان من المستحيل في السابق، فلم يكن أحد يتوقع أن يرى القطارات تتنقل بين المدن، بل يكاد لا يخلو حديث المبتعثين عند عودتهم عن أملهم في وجود شبكة قطارات بين المدن والقرى، وهذا التمني ليس من باب الترف، بل من باب العمل والتنقل والحصول على الفرص.


يبدو أننا أمام رحلة نجاح جديدة وقصة صعود مستمر لاسم هذا الوطن الغالي الذي ولد ليكون فوق السحاب بعزيمته، ويحلّق بهمة أبنائه وبناته. الذي يهم المواطن هو أن يصل، فالنقل مرماه الوصول، وهذا المسار متى ما كان متعدداً ميسراً، تحقق الهدف منه. خلق المسارات على الأرض والجو يعني خلق مسارات اجتماعية واقتصادية جديدة، سيزداد التنقل والتردد بين المدن والقرى، بل قد لا يجد البعض حاجة لأن يغادر مدينته الصغيرة إذا كانت هناك وسائل آمنة تعينه على الوصول والذهاب لعمله.

أخيراً؛ فإن هذه التحولات مهم أن تنعكس على سلوك الفرد وأفكاره، فالحرص على الاستقرار مهمة كل مواطن ومواطنة. الإنسان يتنقل في ذهنه قبل أن يغادر المكان بجسده ويعكس ثقافته وأخلاقه، فنحن في انتظار رصد السلوك الاجتماعي في النقل العام الذي سيبدأ الناس قريباً باستعماله، لست قلقة بقدر ما أجد أنه من المهم استباق التدشين بنشر المسموح والممنوع وصناعة توجه إيجابي للجنسين. كذلك فإن رفع الوعي بالأبعاد الوطنية التي نرسمها عن وطننا مهمة الجميع. ولا أنسى أن أطالب الجامعات والقطاعات الصحية بتخصيص منسوبيها بتخفيضات خاصة لتشجيعهم على الاستفادة من النقل العام ليصبح جزءاً من ثقافة التنقل، وأن يبادر المسؤولون أيضاً بترك سياراتهم الفارهة واستخدام الميترو.