-A +A
أسامة يماني
عندما أعلن البابا أوربان الثاني الحرب المقدسة، لم يكن يهدف من وراء هذا الدعوة -كما يظن البعض- استرجاع القدس أو الاستجابة لاستغاثة إمبراطور بيزنطة به، بعد أن هُزم في معركة «منزكرت» من السّلاجقة الأتراك الطامعين في ممتلكات بيزنطة.

بل كانت أهدافه أبعد من ذلك؛ فقد نظر البابا أوربان لهذه الاستغاثة كفرصة لتوحيد قيادات أوروبا تحت مظلة سلطته وعلاج حالة الانقسام التي كانت تعيشها أوروبا آنذاك.


كما كان يطمع إلى بسط يد كنيسته الكاثوليكية على بيزنطة وما حولها، ليُنهي بذلك الوجود الأرثوذكسي المنافس، ويقضي على الانشقاق في وحدة الكنيسة، ويوطد بكل ذلك زعامته السلطوية.

إن هذه الحملة العسكرية التي نادى بها أوربان كان يسبقها علمه بأن جميع المشاركين فيها سوف يكونون من المستفيدين؛ فملوك أوروبا يسعون لإقامة مستعمرات لهم في الشرق الثري بالموارد، وهذا يمثل حلاً لِما تعانيه دولهم من ضائقة مالية. والإقطاعيون يرغبون في إقطاعيات جديدة لهم، أما الأفراد العاديون في تلك «الحملة الشعبية» فأغلبهم يرغبون في الخروج من دائرة الفقر والتحرر من نير عبيد «القنانة» والتبعية الظالمة للسيد الإقطاعي. لهذا نجد أن هذا الجيش الشعبي ارتكب فظائع في أوروبا وهو في مسيرته.

قناع الدين تلبسه كل الحركات الدينية سواء اليهودية أو الإسلامية السياسية، مثل الإخوان المسلمين والقاعدة والسلفيين وغيرهم.

وحكومة الملالي في إيران مثال صارخ لهذه المصالح السلطوية التي تسعى لها مرتدية قناع الدين، حتى لو كان ذلك على حساب الإنسان وعلى حساب التنمية والازدهار.

الكثير يستخدم الدين كقناع للوصول لأغراضه البعيدة عن غايات الدين ومقاصده. ونحن أمام معضلة كبيرة تتمثل في مفاهيم بشرية وتفاسير وشروح قديمة، وُضعت لزمن وسياقات معرفية محدودة ولبست قناع الدين. كما أنها لا تستقيم مع الحاضر وأدواته وآلياته ومعارفه، بل إن كثيراً من القديم ومرويات الماضي يحتاج لتنقيح وتهذيب.

وفي ذلك يقول ابن خلدون: «وما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك حتّى انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق من قبلهما وأمثالهم من علماء الأمة، وقد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حتى صار انتحاله مجهلة، واستخف العوام ومن لا رسوخ له في المعارف مطالعته وحمله والخوض فيه والتطفل عليه فاختلط المرعيّ بالهمل، واللّباب بالقشر والصادق بالكاذب».

لذا فالحاجة للمراجعة والتجديد ضرورية. وهذا التجديد لا يقوم به إلا رجال القدر والدول العظام، والمصلحون الذين يصنعون التغيير. وفي هذا يقول د. توفيق حميد في إحدى مقالاته: «الحقيقة أن الأمير محمد بن سلمان كان أكثر من رائع في مواجهة هذا الأمر، وفي دعوته بوضوح لوضع مفاهيم جديدة للإسلام تتناسب مع العصر وتتبنى مبدأ المغفرة وتظهر روح القرآن».

كفانا إرهاباً وضلالاً وظلامية وتقديساً للبشر. كفانا الأقنعة الكاذبة والمفاهيم الخاطئة. كفى تخلفاً وكفى تسليم عقولنا لغيرنا؛ فقد حان وقت سقوط الأقنعة.