-A +A
يوسف بن طراد السعدون
«وضعت الحوادث، التي جرت في بدايات عام 2011، دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مسار غير مستقر وواضح. والقراءات الأولية لمؤشرات عام 2021 تدل على أن شعوب المنطقة ما زالت تواجه نفس التحديات التي أشعلت فتيل مطالبهم بالكرامة والتغيير، فسلطات الحكم المستبدة لديهم ما زالت مستمرة بالإدارة غير الرشيدة ولا تمنح الحقوق الإنسانية». هذا الرأي كان المدخل للنتائج التي توصلت إليها دراسة حديثة أعدها مركز خدمات البحوث لدى الكونغرس الأمريكي، بعنوان «الكونغرس والشرق الأوسط 2011-2021: حالات دراسية مختارة» (Congress and The Middle East, 2011-2021: Selected Case Studies) صدرت في 21 مايو 2021. والحالات المختارة التي تناولتها كانت عن: تونس، مصر، ليبيا، العراق، سوريا، اليمن، والملف النووي الإيراني.

واستنتجت الدراسة أن الاضطرابات الكامنة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والديناميكية في المتغيرات الدولية سوف تؤثر كثيرا في بلورة اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية مستقبلا من عدة أوجه. فالأزمات الطارئة تمثل تحديات للإدارة الأمريكية والهيئة التشريعية الكونغرس (بمجلسيه الشيوخ والنواب) وتدفعهم إلى إعادة حساباتهم في العلاقات الثنائية القائمة مع دول المنطقة، وتخصيص موارد لتمويل مبادرات جديدة تجاهها. والدروس التي تعلمتها أمريكا من تجاربها السابقة، سوف تحتم عليها مراجعة أسلوب تنفيذ عملياتها العسكرية وتقديم مساعداتها الأمنية ومبيعات أسلحتها لضمان عدم استغلالها بما يهدد مصالحها في المنطقة. وأوضحت الدراسة أن المسؤولين بمجلس الأمن الوطني الأمريكي يرون أهمية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاستقرار الأمن العالمي، ويخشون من حيازة منافسين كروسيا والصين مكانة بارزة على حساب أولويات أمريكا بالمنطقة. وقد أكد هذا الأمر الجنرال فرانك ماكينزي قائد القيادة المركزية الأمريكية للشرق الأوسط بتصريح نشر له في (Military Times) بتاريخ 23 مايو 2021 مفيدا أنه «مع تراجع وجود أمريكا العسكري في جميع أنحاء الشرق الأوسط للتركيز على منافسة الصين وروسيا فإنها تمنح هاتين الدولتين فرصة لملء الفراغ وتوسيع نفوذها حول الخليج العربي. وأن مبيعات الأسلحة ستكون أحد الاحتياجات التي يمكن أن تستغلها موسكو وبكين لخدمة أهدافهما بالمنطقة».


ومما يلفت الانتباه في معطيات تلك الدراسة، تسليمها بعدم جدوى العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في: الحد من قدراتها على تطوير الأسلحة والصواريخ، تغيير النظام، أو تحديث النظام السياسي. حيث أوضحت أن تلك العقوبات كانت تمثل مرتكزا رئيسا لسياسة أمريكا الخارجية تجاه إيران خلال الفترة من 1980-1990 بهدف: الحد من قدراتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وردعها عن دعم الإرهاب والميليشيات العسكرية الموالية وتطوير الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي. ولكن منذ منتصف عام 2000، تغيرت أهداف العقوبات الاقتصادية الأمريكية والدولية لتركز بشكل أساسي على إقناع إيران بالتوقف عن تطوير برنامجها النووي، وأغفلت القضايا الأخرى. وهذا الأمر هو ما تبنته بشدة إدارة أوباما، وتتبناه حاليا إدارة بايدن المشكلة من الخبرات السابقة التي عملت وصاغت توجهات السياسة الأمريكية الخارجية خلال فترة حكم الرئيس أوباما. وهو يدل بوضوح، في نظري، على أن أمريكا والمجتمع الدولي باركوا فرض الهيمنة الإيرانية على منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الماضي.

وبغض النظر عن مدى صحة ومصداقية معطيات ونتائج تلك الدراسة والدراسات الأخرى المشابهة، لكنها تعطينا مؤشرات إلى أن منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا دول المشرق منها، سوف تشهد خلال سنوات العقد القادم مرحلة تاريخية مفصلية ستؤثر على كياناتها واستقرارها.

وبدأنا نرى مؤخراً بعض التحركات المريبة في اثنتين من دولها. وهذا ما يستوجب من الدول العربية التحرك الجاد والاستعداد لمواجهة القادم إليها من دسائس، بالسعي الحثيث لتطبيق كافة الاحترازات والحيطة وتحصين أنفسها باللقاحات الفاعلة، مثل:

1ـ الاهتمام الكبير بمعالجة قضايا العمل وتكاليف المعيشة على المواطنين، وخصوصا بعد أزمة الإغلاق العالمي جرّاء انتشار وباء كورونا واختلال كثير من المتغيرات الاقتصادية.

2ـ المراجعة الشاملة للخطط والبرامج والمشاريع التنموية، والحرص على أن تعطي الأولوية لتلك القطاعات والمشاريع الاقتصادية التي لديها ميزة نسبية وتحقق قيمة مضافة أكبر للاقتصاد الوطني وتخلق حجما متميزا من الوظائف المجزية للمواطنين.

3ـ عدم الثقة المفرطة، خلال المرحلة القادمة، في مشورات الشركات الاستشارية الأجنبية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي والكوادر الأجنبية.

4ـ الحرص على تبني مبدأ التدرج في البناء والتطوير وعدم الاستعجال في تنفيذ برامج الإصلاح.

5ـ الحفاظ على استقرار النسيج الاجتماعي، وهذا ما يجب أن تراعيه البرامج التطويرية المستهدفة في الدول العربية وتحرص عليه لضمان عدم إتاحة الفرصة لأي من الفئات المتطرفة بتحقيق أهدافها الهدامة الرامية إلى تقويض أمن واستقرار المجتمع.

6ـ سيناريو وجود إيران دولة نووية وذات هيمنة في الشرق الأوسط خلال العقد القادم ليس من الأمور المستحيلة، وقد طرحه العديد من المحللين السياسيين. وحيث إنه ليس لنا الخيار في تغيير الجغرافيا واختيار دول الجوار، فيتوجب على الدول العربية بلورة الخطط والبرامج الكفيلة للتعامل والتعايش مع مثل هذا السيناريو، وبما يضمن الحفاظ على استقرار ومكتسبات وسيادة وأمن أوطانها.

خاتمة: من أقوال الشاعر أحمد بن عبدالرحمن العريفي:

قولوا لرعيان الغنم لا ينامون

اشوف بالمرعى مواطي ذيابه

قولوا لهم خذوا الحذر لا تغفلون

كم غافل أصبح حلاله نهابه

وترى الذيابة بالغداري يغيرون

والجوع ينسيها الخطر والمهابه

اللي رعوا بالشر للشر يجنون

واللي رعى بالخير يجني ثوابه