-A +A
نجيب يماني
كتبت «عكاظ»: خرج من صفوف الطائفين صارخاً (أنا المهدي المنتظر)، فهل حقيقة هناك مهدي منتظر كما يدعي البعض؟ معتمدين على أحاديث منسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بخروج رجلٍ في آخر الزمـن هو من آل بيت الرسول ومن عُترته ومن نسل فاطمة الزهراء، فيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلِئت ظلماً. وأنَّ عيسى ابن مريم ينزل فيساعد المهدي على قتل المسيح الدجال أو هو يقتله في أحاديث أخرى. وقول علي بن أبي طالب للرسول عليه الصلاة والسلام: المهدي منَّا أم غيرنا يا رسول الله؟ قال: بل منَّا يختم به الله كما فتح بنا. وقوله نحن ولد عبدالمطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي، إلى غيرها كثير في كتب الحديث. ويعجب العاقل من تداول هذه الأحاديث والاعتقاد بها مع ما فيها من مثالب ودعاوى يرفضها العقل قبل النقل. أوّلها أنَّ جميع ما نسبوه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إنّما هي أخبار آحاد، وخبر الآحاد بإجماع أهل العلم لا يعمل به في العقائد. كما أنَّ أحاديث المهدي في حكم الموضوع أو الضعيف لاشتمالها على علل وتناقضات كثيرة في المتن والسند، جرحها أئمة الحديث، والجرح مقدم على التعديل. بمعنى أنه إذا لحق الراوي جرح فإنَّ هذا يفضي فوراً إلى ضعف حديثه وإن جاء له ذكر في التعديل. فما نسب إلى رسول الله من أقوال في المهدي تتخللها معان هي في تعارض واضح وصريح مع حشدٍ من الآيات والأحاديث (المتواترة)، إضافة إلى عبارات الإطراء للنفس والتفاخر بالنسب مثل القول (نحن ولد عبدالمطلب سادات أهل الجنة..) وهي من المعاني التي نَبذها رسول الله بنفسه بقوله (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم). وقولهم إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال (نحن ولد عبدالمطلب سادات أهل الجنة..). فـمن أعمام الرسول عليه الصلاة والسـلام أبو لهب وأبو طالب وهم من ولد عبدالمطلب فهل هؤلاء من سادات أهل الجنة ؟! ولقد قال سبحانه وتعالى في التمييز والتفضيل في أهل الجنة (وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبرُ تفضيلا)، بل لم يذكر سبحانه وتعالى من هم أفضل ممن من الرسل؟ بقوله (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ورفع بعضهم درجات). فالواجب الوقوف حيثما وقفت عنده الآية وعدم التقوّل على الله بغير علم.

وقالوا إن علي بن أبي طالب قال (المهدي منا أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: بل منّا يختم به الله كما فتح بنا)، وعبارة (يختم به الله) تستوجب الوقوف، يختم ماذا؟ هل يختم الرسالة؟ أوليس الرسول عليه الصلاة والسلام هو (خاتم النبيين) ولا نبي بعده. والمهدي ليس بنبي ولا رسول. فما معنى إذاً قولهم يختم به كما فتح بنا. وكأن الرسول عليه الصلاة والسلام والمهدي في كفتين متعادلتين! فهل يقول بهذا عاقل وبصير؟! يقول عليه الصلاة والسلام (يا فاطمة بنت محمد لا أملك لك من الله شيئاً). ويقول عليه الصلاة والسلام (لا يركنن أحد منكم في حسابه للآخرة على قرابتكم منّي). ولقد حرص إبراهيم على نجاة والده من الشرك، فلم تنفعه القرابة. ونادى نوح ربه لينقذ ابنه من الغرق، فهل نفعته هذه القرابة؟ بل قال رب العالمين (يا نوح إنه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح). فجعل الله الإيمان هو الرابط بين الناس وليس القرابة أو العترة والنسب، وبالتالي فإن كون المهدي يحمل الرسالة أو يخرج النـاس من الظلم لا عبرة له بقرابته من الرسول عليه الصلاة والسلام أو كونه من أهل بيته أو عترته.


لقد قال سبحانه وتعالى لعيسى ابن مريم (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة). فالعبرة إذاً وفق الآية بالاتباع ليس بالقرابة. وفي هذه الآية أيضاً من جهةٍ أخرى بطلان لكل ما جاء في أحاديث المهدي وما تضمنته في متونها من نزول عيسى وقتله للدجال وخروج يأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها إلى آخر هذه الدعاوى، قوله تعالى (فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) فيه دلالة واضحة على وجود الكفار وهم أسوأ من الظلم، على وجه الأرض إلى قيام الساعة. وجاء أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام (خيرُ أمتي القرن الذين بعثتُ فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وقوله تعالى (وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة). وقوله عليه الصلاة والسلام (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهليّة). فمن أين جاء هؤلاء بأنَّ المهدي يملأ الأرض عدلاً قبل يوم القيامة؟ ثم من أين جاء هؤلاء (بحكاية!!) العدل والقسط؟ هل جاءت الرسل للناس بهذه الرسالة؟ إنما جاءت الرسل بأكبر من العدل والقسط بين الناس وهو عبادة الله وحده كما قال تعالى (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). والعدل بين الناس إنما يأتي ثمرة لعبادة الله وتطبيق شريعته. وهؤلاء أصحاب المهدي تركوا جوهر الرسالة الإلهية وأرسلوا المهدي ليملأ الأرض عدلاً. والعدلُ اصطلاحاً مقتصر في تعامل الناس فيما بينهم والناس اليوم في عامة الدول المتحضرة يعيشون بفرض قوانينهم في العدل والقسط فيما بينهم، مع أنهم عامتهم على الشرك وعبادة غير الله، فهل هذا هو ما يريده المهدي المنتظر؟! وفق الله من أعاد للعقل رونقه وتميزه.