-A +A
نجيب يماني
الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي رجل تنويري أقدر أفكاره وأطروحاته التي تصب لصالح الإسلام المعتدل والذي خطفه الاخوانجية وربيبتهم الصحوة، ومن سار على درب إرهابهم.

وجه رسالة لوسائل التواصل الاجتماعي بوضع حد لانتشار الخطابات المتطرفة ضد المسلمين وتكثيف الرقابة على الحسابات التي تنشر الكراهية والتطرف بعد أن تنامت وتيرة خطاب الكراهية والتعصّب ضدّ المسلمين حول العالم، و«الإصرار» المريب في التركيز على المتشدّدين -على قلّتهم- والتعامل معهم بوصفهم المعبّر عن الإسلام، في سياق «ربط سيامي» لم يسلم منه حتى رؤساء دول، وزعماء كيانات سياسية مشهورة، ولم تفلح كلّ الجهود التي ظلّ المسلمون المعتدلون -على كثرتهم- في تعديل هذه الصورة النمطية الشائهة، والقناعة التي باتت تشكّل تياراً يتمدّد بمحركات الـ«الإسلاموفوبيا»، مشيعاً حالة من الضبابية، والخطاب الغوغائي والديماجوجي «المشيطن» للإسلام بوصفه عقيدة، من واقع ربطه بسلوك قلّة من المنتسبين إليه اسماً، والمفارقين لجوهر تعاليمه روحاً وعمقاً..


ويتعاظم العجب، عندما ترى أنّ هذا الخطاب يقوده من لهم حظٌّ وافر من العلم والمعرفة، ولا يعوزهم الوعي، والإدراك السليم، والمعرفة التي تؤكد أنّ كلّ عقيدة من العقائد؛ لا بل كلّ فكرة من الأفكار الإنسانية عرضة -حين التطبيق على أرض الواقع- للشطط والغلو من المتعصبين لها، والاعتدال والاتزان للمبصرين بأهدافها ومراميها، والتفريط والانحلال عند من يسفّهونها ويرمونها بالخلط والنقصان.

سلوك بشري لم تسلم منه أيّ عقيدة من العقائد، أو فكرة من الأفكار.. وعلى مدى التاريخ لم توصم العقائد والأديان بسلوك معتقديها ومعتنقيها والمؤمنين بها، وإنما يكون مدار البحث فيها، وعنها؛ منشغل بأدبياتها، ومنصرف لأطروحاتها، وهنا موطن البحث، ومناط التقييم السليم، وإنّما يكون القلق، حين يتجاوز متجاوزٌ الخطّ الفاصل بين العقيدة ومعتقديها، ويخلط بينهما هذا الخلط الملتاث، الذي نشهده اليوم مع رسالة الإسلام الخالدة، دون سائر العقائد، ناهيك عن الأفكار والآيديولوجيات الوضعية..

إنّ عبارة «الإسلام المتطرّف» أو «الإرهاب الإسلامي» التي ينبس بها لسان عِلية من «أكابر» هذا الزمان، تستبطن في طواياها مخاتلة لا تخفى على لبيب، وإضماراً مفخخاً لا يغيب عن ذي عقل، فمن يطلقونها يعلمون أنّهم يطمسون الحق، ويستخفّون بالحقيقة، ويدركون أن الإسلام على غير ما يروّجون، وأن المسلمين في غالبيتهم أبعد ما يكونون عن هذا المسلك المتطرّف، وأن من يقترفون هذه الفظائع والجرائم الإرهابية هم من قلّة العدد بما يسمح بتسميتهم «شواذ» وأفاقين، إن صدق اللسان وصحّت التسمية.. أسوة بنظرتهم «المعتدلة» حيال كافة الأديان والعقائد الأخرى، التي لم «يتجرّأوا» على وصفها ودمغها بالإرهاب على كثرة ما يقترفه معتنقوها من فظائع منكورة، وجرائم منبوذة، وتطرف لا يخفى على ذي بصر؛ فلم نسمع عن: الإرهاب اليهودي أو المسيحي أو السيخي أو البوذي أو اللاديني.. إلى آخره مما هو ماثل اليوم.

وعليه؛ فلو أن مروجي فكرة «الإرهاب الإسلامي» أنصفوا أنفسهم، وانتصروا لصوت الحقِّ لصدعوا بحقيقة أنّ الفئة المروّجة لخطاب العنف والكراهية منبوذة في بلاد المسلمين ومجتمعاتهم، فهم أكثر المكتوين بنارها، والمصطلين بوبائها، والمجاهرين في عدائها ومحاربتها.. وما كان لها أن تنمو هذا النمو الذي نراه اليوم لولا أنّها وجدت في الترويج الغربي، بل والدعم المادي والعسكري ما جعل منها شوكة تخز خاصرة الإنسانية جمعاء..

نعم؛ يحمل الخطاب الغربي المتحامل بعض الوزر -إن لم يكن أكثره- في الترويج لأفكار وسلوك هذه الفئات المارقة، الأمر الذي رفضته المملكة، ونددت به، وكشفت عواره وخطله في كثير من المحافل الدولية، ولعل آخرها ما جاء على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، حين قالها صريحة إن المملكة العربية السعودية تعرب عن القلق من استهداف الأقليات الدينية بصورة متزايدة بسبب معتقداتهم ومن تنامي خطاب الكراهية داخل الأطياف السياسية التي تستخدم مصطلحات الإقصاء والتهميش وغيرها في ظل وجود منصات التواصل الاجتماعي التي سهّلت بث التطرف والكراهية وتعزيز الصور النمطية السلبية ووصم المسلمين عبر وسائل عابرة للحدود..

مشيراً إلى الخطوات الكبيرة التي اتخذتها المملكة من أجل إشاعة روح التسامح والاعتدال والوسطية بوصفها من الموجّهات الراسخة في الإسلام، والتي نهض بها مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فضلاً عن استضافة المملكة لمؤتمر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في 2019، إذ أقر 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة يمثلون 27 مكوّناً إسلامياً من مختلف المذاهب والطوائف (وثيقة مكة المكرمة) التي تتضمن 29 بنداً لإرساء قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب في البلدان الإسلامية وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة.

هذا نزر يسير من جهد كبير قام به المسلمون، على المستويين الرسمي والشعبي، ولا يكاد يقابله في الجانب الآخر إلا تمثيل رمزي لا يرقى لمستوى القضية وخطورتها، على الرغم من أن دوائر الغرب عرفت مصطلح «الإسلاموفوبيا» وأدرجته في قواميسها الفكرية والسياسية قبل ربع قرن من الزمن، والباعث على السخرية والضحك أنّ من نهضت بتفنيد هذا المصطلح ومواجهته خلية تفكير يسارية عرفت باسم «رنيميد ترست Runnymede Trust».. فمتى ينصف الآخرون أنفسهم ويتعاملون مع الحقيقة، ويخلّصوا أنفسهم من عصبية «الربط السيامي» بين الإسلام والقلّة من المتشددين والمتعصبين الذين اقترفوا باسمه مآثم مرفوضة، وفظائع ننكرها ولا نقرها.. وقبل ذلك متى ينهض المسلمون لتوسيع دائرة خطابهم المعتدل بصورة مؤثرة كفاء حقيقة أن هذه الرسالة مخصوص بها الناس جميعاً، بما يستوجب وعياً موسوعياً، ونظرة شاملة، وفكراً خلاقاً، لا نراه في الخطاب السائد والمكرور اليوم.