-A +A
عبدالرحمن الطريري
كان من أكثر الأخبار اللافتة في عام 2016، بالإضافة بطبيعة الحال لوصول الرئيس ترمب للمكتب البيضاوي، هو خبر استهداف طائرات روسية لأهداف في سوريا من قاعدة في إيران، وبالتالي أصبح مطار همدان بشكل غير مباشر شاهداً على الشروط غير المعلنة في الاتفاق الروسي الإيراني لإنقاذ الأسد.

فلم يكن وقتها الأسد يسيطر على أكثر من 24% من التراب السوري، وظهر -آنذاك- التعبير الشهير «سوريا المفيدة»، ولكن رمزية الانطلاق من الأراضي الإيرانية، أوحت في مضمونها إلى تنازل إيراني عن السيادة، لم يكن ليحدث لو كان النظام في أحسن حالاته.


قدوم الرئيس ترمب للبيت الأبيض زاد الوضع الإيراني سوءاً، حيث انسحب من الاتفاق النووي في 2018، وأغلق العديد من المسام التي كانت طهران عادت تتنفس منها في حالة العقوبات، وأدى تراجع أسعار النفط وجائحة كورونا لجعل المؤشرات الاقتصادية تبحث يومياً عن قاع جديد.

شعبياً خرجت المظاهرات بشكل متكرر، وكان آخرها بعد قرار الحكومة رفع سعر المحروقات ثلاثة أضعاف، وكان التعامل دوماً بلغة القوة، مما عكس خيارات النظام بين البحث عن الشرعية والحفاظ على النظام.

واستمر النظام منذ خروج الإدارة الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة، في البحث عن الشرعية الأوروبية، واتبع للبحث عنها شريعة التودد وشريعة الغاب، فضاعف الهجمات الصاروخية وتهديد الملاحة البحرية، واستمر في التخلي عن الالتزامات النووية، لدرجه وضعت إيران جميع الأطراف الموقعة في حرج، حيث جعلت من الصعب الرجوع للاتفاق السابق.

تغير شكل المنطقة مع اتفاقيات السلام، وضرب ذلك فكرة تصدير الثورة في مقتل، ووجه بوصلة المنطقة نحو العدو الأول دون منازع، مما جعل الحنق الإيراني يبحث عن أهداف إماراتية في أفريقيا على سبيل المثال.

هذا المسار مع التراجع ووضح استراتيجية النظام، لوضع الشعارات في سلة المهملات، بدءاً من السيادة ونصرة المظلومين، إلى قمع الشعب الإيراني قبل التجني على بعض الشعوب العربية، من أجل شراء ربع قرن لبقاء النظام، حتى لو لفت الحزام الصيني على عمق البلد.

وهكذا أتت الاتفاقية الصينية الإيرانية، لتمثل اتفاق إذعان للصين، مقابل شربة ماء، غير مضمون تحققها إذا بقيت العقوبات الأمريكية، مع ما لأمريكا من سيطرة على النظام المالي العالمي، وضرر العقوبات على الشركات الصينية، التي لن تفكر مرتين قبل الاختيار بين السوق الإيراني والسوق الأمريكي الذي تبلغ التبادلات معه 500 مليار دولار.

الاتفاق الصيني مع إيران يخالف مادتين من الدستور الإيراني، حيث ينص البند الثامن من المادة 43، التي تقع ضمن الفصل الرابع المختص بالاقتصاد والشؤون المالية، على «الحيلولة دون وقوع الاقتصاد الوطني تحت السيطرة الأجنبية».

بينما تذكر المادة 153، من الفصل العاشر المعني بالسياسة الخارجية، يمنع عقد أية معاهدة تؤدي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الطبيعية للبلاد، أو اقتصادها أو جيشها أو ثقافتها أو أي مظهر آخر في حياتها الوطنية، وهو ما تعنيه الاتفاقية الصينية على أرض الواقع.

هذه الاتفاقية تدعونا لقراءة الخطوات الصينية أكثر من الإيرانية، فسياسة الحزب الواحد تمنح الصين بناء سياسة مستقرة للتمدد في طريق الحرير، عبر باكستان ثم إيران، لتصل إلى السوق الأفريقي الكبير، كما وصلت لعواطف الأوروبيين حين أرسلت الكمامات لإيطاليا بداية الجائحة.

إيران عملياً تحول نفسها من لاعب يملك أوراقاً يفاوض بها واشنطن، إلى ورقة تفاوض بها الصين أمريكا، وكل ورقة في نهاية الأمر معروضة للبيع.