-A +A
منى العتيبي
أذكر من خلال زياراتي لمدينة بيروت حينما كانت «بيروت» مدينة القصائد والجمال، رغبت بزيارة «قلعة موسى»، تلك القلعة التي قرأت عنها كثيراً حتى استقرت في مخيلتي كأسطورة أشبه بالخيال وبطلها الفتى «موسى» تلك الشخصية المتفردة، التي لن يكررها القدر.

قصة القلعة تحكي أن هناك مبنى شاهقاً يشبه قصور الأمراء سُمي على اسم ذلك الفتى الحالم صاحب التحديات «موسى» الذي رسم على كرّاسته حلمه الذي طالما يراوده وظل عالقاً في ذهنه «القلعة»، ثم بدأ في بنائها وتزيينها على مدى سنوات طوال استغرقت 60 سنة من العمل والجهد حتى حقق حُلم حياته وجسّده على أرض الواقع واقعاً، وأصبحت بمرور الزمن مقصداً لِلسيّاح والزوار.


هذا ما تداولته المدونات ولكن الجزء الرومانتك المفقود في القصة على عهدة مَن حكوا لي في ميادين الثقافة والتاريخ أن الفتى «موسى» كان يعشق فتاة من عائلة ارستقراطية ورفضه والدها، وإزاء شعوره بالنقص من جهةٍ ووقوفه أمام تلك التحديات من جهة أخرى أراد أن يبني قصراً يضاهي قصر حبيبته ويتجاوز قهرها بذلك.. وبالطبع الذين سردوا لي هذه الحكاية جعلتني أعيش حالة من الحلم والإلهام والسحر كأي فتاة مراهقة حالمة حينها.

وأنا في طريقي إلى قلعة الحلم كنت أعيش في مخيلتي حالة تحليق عجيبة لأسماء تحدها ولا غيمات تشاكسها، كنت أسبق الريح لزيارة موسى وقلعته حتى وصلت هناك، واستقبلتني المرشدة السياحية ودخلنا سويّاً للقلعة، وقد كان كل شيء أقل مما تخيلته وتصورته، وقابلت الفتى «موسى» وجدته رجلاً كبيراً في السن، يجلس على مقعد وطاولة في ركن القلعة، تبدو على وجهه علامات الغضب متذمراً ويرفض التصوير أو حتى الكلام. كيف؟ وأنا التي توقعت بأنني سأقابل شاعراً مرهفاً وقلعة كلها مزروعة على الغيمة! ولكن الواقع جاء أدنى من ظني ومما توقعت! ومن يومها تعلمت بأن غياب الأشياء عنّا يجعلها في مكان أعلى أو أقل، لذلك لا تخدعني الكلمات حتى أرى ولا أحكم عن أي كائن كان حتى أخوض تجربة التعامل معه، لا أصدق الوعود ولا الورق حتى أصل للنتيجة.

مساحة الغياب والغموض تجعلنا نقع تحت تأثير مخيلتنا وأفكارنا الخاصة نبني معها تصورنا في دائرتنا الواهمة، نحكم على الآخرين في اتجاهين إما أن نعطيهم مكانة أعلى مما يستحقون ونقع في شِباك الخيبة، أو نقلل من شأنهم ونظلمهم ثم نندم لأننا أبخسناهم قدرهم.

أخيًرا.. لا تقعوا في شِباك الغموض وسحر الغياب حتى لا تصطادكم الخدعة.