-A +A
علي محمد الحازمي
يعتبر آدم سميث أول من تحدث عن أهمية العوامل غير الاقتصادية في تطور المؤسسات الاقتصادية، حيث أوضح التأثير الكبير لكل من التاريخ والثقافة والتقاليد والأنماط الاجتماعية والنفسية والعوامل الجغرافية على المؤسسات الاقتصادية، وهذا ما أكد عليه أنصار الاقتصاد المؤسسي والاقتصاد السياسي الجديد، وهم الذين يؤمنون بعدم إمكانية تفسير الظواهر الاقتصادية بالعوامل الاقتصادية وحدها، وهذا ما دعمته نظريات عدة يأتي في مقدمتها نظرية الاختيار العام التي ترى أن التدخل الحكومي كان أحد الأسباب في عدم الوصول إلى أي نتائج إيجابية لكبح الاحتكار، إضافة إلى نظرية الدستور الاقتصادي التي تأخذ بعين الاعتبار آثار القرارات الاقتصادية السياسية بدلاً من اكتفاء تحليله بالعلاقات الاقتصادية كوظائف لطرق توزيع السلع والخدمات القابلة للتسويق، ونظرية العمل الجماعي.

يطرح المنظور الاقتصادي الخصخصة باعتبارها النتيجة الحتمية للحقائق الكلاسيكية الجديدة، وهذا ما أظهرته النظريات التطورية للرأسمالية، التي ترى أن الشركات الخاصة تتميز بقدرتها على تخصيص الموارد بالشكل الأمثل مما ينعكس إيجاباً على مستوى الكفاءة والإنتاجية على مستوى الاقتصاد ككل وذلك مقارنة بالنظم الاقتصادية التي تسود فيها الملكية الجماعية والمركزية.


أثبتت تلك النظريات أن الانتقال من نظام اقتصادي إلى آخر، مثل الانتقال من النظام الاشتراكي إلى نظام اقتصاد السوق الحر الرأسمالي، لا يمكن تحقيقه فقط من خلال تغييرات في المؤسسات الاقتصادية وحدها، مهما كانت تلك المؤسسات عميقة وشاملة، لذلك يؤمن أنصار تلك النظريات الاقتصادية أنّ الخصخصة ليست مجرد نقل للملكية والسيطرة على الموارد أو ليست مجرد نقل لوظيفة الإدارة من أيدي الدولة إلى القطاع الخاص، بل هو تغيير شامل وإعادة تعريف للمنهج والهيكل الاقتصادي للدولة ككل، لهذا إذا لم يترافق مع الخصخصة تحوّلٌ شامل وعميق في المنهج والهيكل الاقتصادي للدولة، فلن تتمكن من الوصول للغايات والأهداف المحددة، لأن القطاعات المخصخصة لن تكون قادرة على العمل في بيئة قديمة وغير متغيرة؛ بمعنى أوضح أن النظام الجديد لن يكون متوافقاً مع قواعد اللعبة الاقتصادية الجديدة في ما يتعلق بالملكية الخاصة، ولن يتمكن القطاع الخاص من العمل بشكل مؤسساتي في مثل هذه البيئة، لأنه حتماً ستقود هذه العملية غير التوافقية بين الهيكل الاقتصادي القديم للدولة والتغيرات المترافقة مع الخصخصة إلى نتائج متواضعة من حيث إعادة الهيكلة الاقتصادية وكفاءة الشركات المخصخصة.

المتتبع لرحلة التحول التي تعيشها المملكة يلاحظ أن الخصخصة واحد من مرتكزات رؤية المملكة 2030، ولكن لم تشرع المملكة في هذا البرنامج منذ البدايات حتى تتأكد من حدوث التغير الجذري الشامل على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، لأنها تؤمن أن الخصخصة لا يمكن تحقيقها فقط من خلال تغييرات في المؤسسات الاقتصادية وحدها، ولكن لا بد من تغيير شامل وإعادة تعريف للمنهج والهيكل الاقتصادي للدولة ككل.

كاتب سعودي

Alhazmi_A@