-A +A
بدر بن سعود
التقرير الاستخباري الذي تداولته وسائل الإعلام في الأيام الماضية لم يأت بجديد، ويمكن اعتباره بمثابة إعادة إنتاج تم نشره من افتراضات وتخمينات في فترات سابقة، وقد خرج محللون أمريكيون في قناتي سي إن إن وسي بي أس الأمريكيتين، وأكدوا على الفكرة نفسها، ومعظـم الدول والمنظمات العربية والإسلامية انتقدت التقرير الأمريكي، ورفضت التدخل في قضاء المملكة وشؤونها الداخلية، والأحكام في قضية خاشقجي ارتضتها عائلته، واكتسبت صفة القطعية في سبتمير 2020 وفق أحكام المادة 210 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، ومجموع الأحكام التي صدرت فيها وصلت إلى 124 سنة في مجموعها، وبالتالي فالرجوع إليها يطرح علامات استفهام كثيرة.

سياسة قتـل المخالفين ليست واردة في القاموس السعودي، ولم تسجـل ضد المملكة عملية واحدة طوال تاريخها الحديث، كما يفعل غيرها في الشرق والغرب، بينما قتل الحوثي 45 صحافياً يمنياً ولم ينتقده أحد، وقتل ناجي العلي رسام الكاريكاتير السياسي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، ومبتكر شخصية حنظلة، ولم يتحرك لنصرته أحد، رغم أن قتلته معروفون، والدولة تعاملت بشكل شفاف ومتوازن مع قضية خاشقجي، لدرجة أن جلسات المحاكمة والنطق بالحكم شهدت حضوراً إعلامياً وسياسياً من دول مختلفة، وقد كانت إدارة ترمب محقة عندما قالت بعدم وجود أدلة مباشرة على تورط القيادة السعودية، فقد جاء التقرير ليؤكد هذه المسألة.


التقريرالذي جاء في ثلاث صفحات، ركز بصورة مبالغ فيها على سمو ولي العهد السعودي، وأشار إلى حضوره كصانع للقرار في المملكة منذ سنة 2017، ويظهر أن اليسار الأمريكي لم يعجبه الوزن السياسي الذي أصبحت تمثله المملكة على المستويات الإقليمية والقارية والدولية، وريادتها ودورها كدولة قائدة وملهمة في المنطقة، وربما انحاز لرؤية أوباما الذي قال في حواره مع بلومبيرغ في مارس 2014، إن إيران مرشحة لأن تكون حليفاً لأمريكا أكثر من جوارها السني.

هناك من يعتقد بأن أمريكا تستخدم التقرير كأداة ضغط، وأنه يأتي لإلزام المملكة بالتوقيع على اتفاقية مدنية تحظرتخصيب اليورانيوم في الأراضي السعودية، في محاولة استباقية لتجنب ما قد يحدث عند دخول إيران إلى النادي النووي، والواقع أن إيران تعتبر أمريكا شيطاناً أكبر، وتتعامل معها بمبدأ التقية السياسية.

تسويق تقرير التخمينات والتمنيات الأمريكية تحركه دوافع سياسية، فهو يحاول التغطية على إخفاق إدارة بايدن في الملف النووي الإيراني، وعلى فشله في تحقيق المصالحة مع طالبان بعيداً عن الحكومة الشرعية في كابول، وعلى عدم قدرة إدانة الرئيس السابق ترمب، وعلى العجز عن مواجهة التحديات الصحية والاقتصادية، ولعلها تشبه دبلوماسية الهروب إلى الأمام، التي تعمل على إشغال الناس بالقضايا الخارجية لإبعادهم عن إحباطاتهم الداخلية.

BaderbinSaud@