-A +A
رامي الخليفة العلي
من مقر وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن اختار الرئيس الأمريكي أن يلقي خطابه المتعلق بالسياسة الخارجية في عهده، ولا تخفى الدلالة الزمانية والمكانية التي أرادها بايدن من اختيار الوزارة فقد أراد الرئيس الجديد إعادة الاعتبار إلى الدبلوماسية الأمريكية وفاعليها الذين تم تهميشهم خلال سنوات ترمب، ويأتي ذلك أيضا في بداية العهدة الرئاسية دلالة إلى الأهمية التي يوليها الرئيس لملفات السياسة الخارجية التي ستكون مطروحة على طاولته. ولعل الانطباع الأول الذي يمكن أن يخرج به المتابع أن السياسة الخارجية عادت مرة أخرى إلى المؤسساتية بعد أن تميزت بالفردانية وارتبطت إلى حد بعيد بشخص الرئيس السابق خلال السنوات الأربع الماضية. أما الانطباع الآخر فهو عودة السياسة الخارجية الأمريكية كما وعد بايدن خلال حملته الانتخابية إلى التوجهات التقليدية؛ منها اعتبار كل من بكين وموسكو الخصمين اللذين سوف تسعى واشنطن إلى احتوائهما، دون أن يعني ذلك تطوير الصراع معهما إلى حد المجابهة الشاملة. وما أعلنه الرئيس الأمريكي صراحة وهو إعادة الاعتبار إلى التحالفات التقليدية للولايات المتحدة ومنها مد الجسور مع الضفة الأخرى للأطلسي وعودة التحالف الذي وسم العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا ما نزل بردا وسلاما على أفئدة معظم القادة الأوربيين وخاصة في باريس وبرلين.

ما يهمنا من خطاب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن هو المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، فقد أكد على التحالف التقليدي بين واشنطن والرياض والذي كان على مدى يقارب السبعة عقود إحدى أهم ركائز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بالرغم من كل ما اعتراها من هزات عنيفة وأزمات طاحنة. كما أكد الرئيس الأمريكي بشكل خاص على ضرورة الوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية وهذا أمر لطالما أيده ودعمه التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. لا بل إن أكثر الانتقادات التي جاءت من الدول العربية ومعظم الشعوب العربية هو الإهمال الذي يحظى به الملف اليمني على صعيد المجتمع الدولي. لكن هنا لم يميز الرئيس الأمريكي بين مسألتين؛ الأولى وهي وقف إطلاق النار ونعتقد أن هذا مما يمكن تحقيقه والتحالف العربي والحكومة الشرعية منفتحان على ذلك، أما المسألة الثانية وهي الوصول إلى تسوية سلمية وأيضا التحالف العربي منفتح على هذه التسوية، ولكن الأمر مرتبط برفع نظام الملالي يده عن اليمن وأن يتوقف هذا النظام عن دعم الإرهاب، وهنا المهمة الكبيرة التي ستواجه إدارة بايدن إذا صدقت النوايا. أشد ما يقلق الشعوب العربية هو أن تعمد السياسة الأمريكية إلى استعادة توجهات إدارة أوباما سيئة الذكر. يمكنك أن تنتقد سياسة ترمب كثيرا ويمكن أن تندد بتوجهاته وفي كثير من الأحيان أنت محق في ذلك ولكن شيء واحد لابد أن تعترف به وهو الوضوح في سياسته اتجاه منطقة الشرق الأوسط، بينما ترك أوباما داعش تتمدد وتسيطر على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، عمد ترمب إلى القضاء عليها ومنع استغلال هذه الحرب سياسيا مما وفر عشرات الآلاف من الأرواح، بينما اتخذت إدارة أوباما سياسة رمادية اتجاه إيران عمد ترمب إلى فعل كل ما يستطيع لتحجيم إيران ونزع أظافرها... وهذا غيث من فيض. كل ما نأمله أن يستطيع الرئيس الأمريكي وأركان إدارته أن يقرؤوا إرث الإدارات السابقة وتجاوز الأخطاء الكارثية التي وقعت بها وعدم تكرارها.


باحث سياسي

ramialkhalife@