هل تعرف شخصاً يشعر بالضيق والاختناق وربما تسارع نبضات القلب أو فقدان الوعي عند مشاهدة عمل فني أو الاستماع إلى معزوفة موسيقية أثناء عبوره في الشارع؟
سواء كانت إجابتك بـ«نعم أو لا»، ينبغي أن تعرف أن هذه الحالة التي عادة ما نصف أصحابها بـ«كارهي الفنون» أو «أعداء الجمال» ليست حالة مزاجية عابرة أو موقفاً ناتجاً عن أفكار ومبادئ شخصية أو حتى ميول طبيعية، وإنما هي اضطراب نفسي معروف يُسمى «متلازمة ستندال»!
هذا الاضطراب النفسي الغريب تم تشخيصه في القرن التاسع عشر؛ إذ تشكل مواجهة المصابين به للأعمال الفنية بشكل عام والتماثيل على وجه الخصوص مأزقاً نفسياً مريراً لهم وهو ما يدفعهم إلى تفاديها وربما محاربتها رغبة في تجنب الأعراض التي تصيبهم بها والتي من أبرزها: «سرعة ضربات القلب، ضيق التنفس، التوتر الشديد، الارتباك والخوف، الشعور بالإرهاق، صعوبة التركيز وعدم القدرة على التفكير، فقدان التوازن، الإغماء، والهلوسة السمعية والبصرية».
تاريخياً، ارتبطت «متلازمة ستندال» بمدينة فلورنسا الإيطالية التي تغص بأعداد مهولة من الأعمال الفنية التشكيلية والتماثيل المنحوتة ببراعة، حيث لوحظ أن بعض زوارها يصابون بأعراض الاضطراب السالفة الذكر حتى قام بتوثيق الحالة الكاتب الفرنسي «ماري هنري بيل» المعروف باسم «ستندال»، وفي عام 1979، أعادت وصفها الطبيبة النفسية الإيطالية غرازيلا ماغريني، بعد رصدها أكثر من 100 حالة بين السياح والزوار في فلورنسا.
طبعا الأعراض قد تظهر لدى المصابين بهذا الاضطراب في أي مكان في العالم وليس في فلورنسا وحدها، لكن بعض المدن تحظى دائماً بـ«السمعة» لاكتشاف وتوثيق الحالات بها، حتى أن «متلازمة ستندال» هذه كانت وما زالت تُسمى «متلازمة فلورنسا»!
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ربط مدن بعينها باضطرابات نفسية غريبة ليس أمراً نادراً بل شائع وقديم جداً، فمن أشهر المدن المرتبطة باضطراب نفسي موثق مدينة «القدس» (أورشليم) إذ إن هناك متلازمة نفسية معروفة باسم «متلازمة أورشليم» التي تعرفها المصادر العلمية بأنها مسمى يُعبّر عن مجموعة من الاضطرابات العقلية المرتبطة بظهور أفكار دينية معيّنة تستحوذ على عقل الشخص بالكامل، أو ترتبط بأوهام وهلاوس سمعية وبصرية ذات طابع ديني تظهر عند زيارة مدينة القدس. مع التأكيد على أن هذه المتلازمة غير مرتبطة بدين معين أوطائفة محددة، حيث إنها قد أثرت على كلٍ من اليهود، والمسيحيين، والمسلمين من أصول مختلفة.
هناك أيضاً «متلازمة باريس» وهي حالة نفسية غريبة يصاب بها البعض عند زيارة باريس نتيجة للصدمة الكبيرة والإحباط الشديد الناتج عن مقارنة ما وجدوا باريس عليه في الواقع وما كانوا يتوقعون أنها عليه في مخيلتهم وقد ينتهي الأمر إلى حصول انهيار عقلي أثناء زيارتهم للعاصمة الفرنسية!
طبعاً الحديث عن الاضطرابات النفسية الغريبة أو حتى ارتباط بعض المدن بها يطول لكنه ممتع ومثير وهذه دعوة للجميع للقراءة والبحث في هذا الموضوع فهو مدخل مهم لفهم مدى تعقيد النفسية البشرية بعيداً عن التصنيفات الجاهزة والقولبة التي تجعلنا نجهل أنفسنا أكثر.
كاتب سعودي
Hani_DH@
سواء كانت إجابتك بـ«نعم أو لا»، ينبغي أن تعرف أن هذه الحالة التي عادة ما نصف أصحابها بـ«كارهي الفنون» أو «أعداء الجمال» ليست حالة مزاجية عابرة أو موقفاً ناتجاً عن أفكار ومبادئ شخصية أو حتى ميول طبيعية، وإنما هي اضطراب نفسي معروف يُسمى «متلازمة ستندال»!
هذا الاضطراب النفسي الغريب تم تشخيصه في القرن التاسع عشر؛ إذ تشكل مواجهة المصابين به للأعمال الفنية بشكل عام والتماثيل على وجه الخصوص مأزقاً نفسياً مريراً لهم وهو ما يدفعهم إلى تفاديها وربما محاربتها رغبة في تجنب الأعراض التي تصيبهم بها والتي من أبرزها: «سرعة ضربات القلب، ضيق التنفس، التوتر الشديد، الارتباك والخوف، الشعور بالإرهاق، صعوبة التركيز وعدم القدرة على التفكير، فقدان التوازن، الإغماء، والهلوسة السمعية والبصرية».
تاريخياً، ارتبطت «متلازمة ستندال» بمدينة فلورنسا الإيطالية التي تغص بأعداد مهولة من الأعمال الفنية التشكيلية والتماثيل المنحوتة ببراعة، حيث لوحظ أن بعض زوارها يصابون بأعراض الاضطراب السالفة الذكر حتى قام بتوثيق الحالة الكاتب الفرنسي «ماري هنري بيل» المعروف باسم «ستندال»، وفي عام 1979، أعادت وصفها الطبيبة النفسية الإيطالية غرازيلا ماغريني، بعد رصدها أكثر من 100 حالة بين السياح والزوار في فلورنسا.
طبعا الأعراض قد تظهر لدى المصابين بهذا الاضطراب في أي مكان في العالم وليس في فلورنسا وحدها، لكن بعض المدن تحظى دائماً بـ«السمعة» لاكتشاف وتوثيق الحالات بها، حتى أن «متلازمة ستندال» هذه كانت وما زالت تُسمى «متلازمة فلورنسا»!
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ربط مدن بعينها باضطرابات نفسية غريبة ليس أمراً نادراً بل شائع وقديم جداً، فمن أشهر المدن المرتبطة باضطراب نفسي موثق مدينة «القدس» (أورشليم) إذ إن هناك متلازمة نفسية معروفة باسم «متلازمة أورشليم» التي تعرفها المصادر العلمية بأنها مسمى يُعبّر عن مجموعة من الاضطرابات العقلية المرتبطة بظهور أفكار دينية معيّنة تستحوذ على عقل الشخص بالكامل، أو ترتبط بأوهام وهلاوس سمعية وبصرية ذات طابع ديني تظهر عند زيارة مدينة القدس. مع التأكيد على أن هذه المتلازمة غير مرتبطة بدين معين أوطائفة محددة، حيث إنها قد أثرت على كلٍ من اليهود، والمسيحيين، والمسلمين من أصول مختلفة.
هناك أيضاً «متلازمة باريس» وهي حالة نفسية غريبة يصاب بها البعض عند زيارة باريس نتيجة للصدمة الكبيرة والإحباط الشديد الناتج عن مقارنة ما وجدوا باريس عليه في الواقع وما كانوا يتوقعون أنها عليه في مخيلتهم وقد ينتهي الأمر إلى حصول انهيار عقلي أثناء زيارتهم للعاصمة الفرنسية!
طبعاً الحديث عن الاضطرابات النفسية الغريبة أو حتى ارتباط بعض المدن بها يطول لكنه ممتع ومثير وهذه دعوة للجميع للقراءة والبحث في هذا الموضوع فهو مدخل مهم لفهم مدى تعقيد النفسية البشرية بعيداً عن التصنيفات الجاهزة والقولبة التي تجعلنا نجهل أنفسنا أكثر.
كاتب سعودي
Hani_DH@