-A +A
محمد الساعد
الاغتيال في الأدبيات الإخوانية ليس خيارا ضمن منهجهم السياسي، بل هو إستراتيجية دائمة في التعامل مع الخصوم والقضاء عليهم وإزاحتهم من طريقهم، سواء كان الخصم أستاذا جامعيا أو كاتبا صحفيا أو سياسيا له تأثيره أو حتى شاعرا يقول قصيدته ويمضي، كلهم يغتالون جسديا أو معنويا متى ما سنحت الظروف.

المشهد الأول: المسرح الكبير يتوسط الشارع الوحيد القادم من القاهرة لمدينة نصر، الاستعراض العسكري في قمته، الطائرات تمر من فوق المنصة في مشهد مهيب مذكرة بالضربة الأولى التي صعقت الإسرائيليين وحطمت مقاومتهم، الجنرال محمد أنور السادات محتفلا بنصره بين رفاق دربه وقادة جيشه، ينظر مزهوا لجنوده الذين هزموا قبل أعوام قليلة إسرائيل، ووضعوا قواعد جديدة للتوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة.


المشهد الثاني: قبلها بأسابيع خالد الإسلامبولي، الضابط بالقوات المسلحة المصرية الذي اخترق صفوفها على الرغم من الحرص الشديد على منع الجيش من الانجراف وراء التيارات الفكرية، يصله مندوب من قياداته في الإخوان تطلب منه تصفية السادات في يوم الاحتفال الكبير، الإسلامبولي بدأ بتجهيز عملية الاغتيال وحرص على التكتم الشديد، لكن الذي سهل له الجريمة كان بلا شك أحد أفراد القوات المسلحة المصرية، بالطبع كان هو من اقترح ومجموعته المتطرفة عملية الاغتيال على تنظيمه الإرهابي، وسرعان ما جاءت الموافقة، السادات ارتكب أكبر أخطائه ووقع قرار إعدامه بنفسه، عندما تساهل مع الإخوان المسلمين وأخرجهم من السجون، بل وسمح لهم باختراق البنية الاجتماعية المدنية والإدارية في مصر وغض النظر عن التحاق البعض منهم بالجيش.

لكن الإخوان الذين لا يعرفون للعهد مكانا وليس لديهم للمعروف جزاء إلا النكران، حسموا أمورهم وقرروا قتله غيلة وفي مكان مشهود، هل كان الأمر يستحق. هل كان مبررا. بالطبع لم يكن كذلك، لكنها خطة الإخوان في التخلص من خصومهم ومعاقبة أي سياسي لا يتحول إلى عبد في معبدهم وعند مرشدهم.

المشهد الثالث: الإسلامبولي وعبود الزمر ورفاقهم يقفزون من عربة الجيش حاملين أسلحتهم الأتوماتيكية ويمطرون السادات بعشرات الرصاصات، قتلوه في داره وبين أهله وناسه وأمام العالم أجمع، لتبقى واحدة من عمليات الاغتيال السياسي الأكثر بشاعة، والتي نقلت مصر والعالم العربي إلى طريق آخر شهدته مصر والعالم العربي فيما بعد.

ماذا لو عاد الزمان إلى العام 1981 إلى 6 أكتوبر منه، هل كان الإخوان سيتراجعون عن اغتيال السادات، هل كانوا سيبذلون القليل من الفهم السياسي لتصرفات القيادة المصرية، هل سيقيمون الخلاف مع السادات تقييما سلميا لا يستحق هدر دمه وقتله؟

في الحقيقة أن الواقع يقول عكس ذلك، إذ سرعان ما بدأ الإخوان عمليات عسكرية إضافية تضمنت تفجيرات واغتيالات لشخصيات سياسية وثقافية وسياح أجانب داخل المدن المصرية، ألحقوها بالطبع بمحاولة اغتيال خلفه الرئيس محمد حسني مبارك في أديس أبابا.

المشهد الرابع: أصبحت ممارسة الاغتيال السياسي إحدى أدوات الإخوان، وطريقتهم لإزاحة الخصوم عندما دبر الإخوان محاولة أخرى في حق أرفع قيادة سعودية، هذه المرة طالت الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - بالتعاون مع القذافي، فقد كان سعد الفقيه هو الإرهابي الإسلامبولي، والمسعري هو طارق الزمر.

خطة اغتيال الملك السعودي وفي مكة المكرمة، تؤكد أن هذا هو طريق الإخوان المسلمين الوحيد، وأنهم غير نادمين على قتل السادات من قبل، وأنهم لا يسعون لحل خلافاتهم مع الآخرين بالحوار والصبر والتنازل، بل عندما تسنح لهم الظروف والدعم فإن أول عمل يقومون به هو القتل.

الاغتيال المعنوي للخصوم ومحاولة إلصاق التهم بهم، كما يحصل اليوم مع شخصية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من تحريض وخلق صورة ذهنية خاطئة عنه في الإعلام العربي والعالمي، وتوظيفها لصالح دول في الإقليم هو الوجه الآخر من عمليات الاغتيال.

الاغتيال المعنوي هو تخصص إخواني بامتياز، من إلصاق تهم الكفر والشيوعية والماركسية والإلحاد والليبرالية والتفسخ والتغريب بخصومهم السياسيين، إلى اتهامهم بالتصهين تارة والعمالة للغرب وخاصة الأمريكان تارة أخرى، بالطبع الإخوان يسمحون لأنفسهم بالتعامل مع الصهاينة والملاحدة وحتى الشيطان نفسه والتحالف معهم والشراكة في مشاريعهم لتحقيق مصالحهم، لكنهم لا يسمحون لغيرهم بذلك، بل ويغتالونهم فورا.

كاتب سعودي

massaaed@