-A +A
منى المالكي
للكتابة محفزات ومثيرات ربما تحتاج في بعض الأحيان أن تملك من الشجاعة القدر الكبير للإقدام عليها، وفي بعض الأحيان تحتاج لقدوة، لنموذج ملهم يمسك لك المصباح لتهتدي به ومعه في مغامرة الكتابة تلك، وكان الدافع الآخر لكتابة هذا الموضوع هو كتاب د.سعد البازعي (القصيدة الشعبية سمات التحضر وتحديات التجديد) الذي حظيت بإهداء منه الأسبوع الفائت، وقد كان المثير الأجمل لما كنت أحدث به نفسي قبل سنوات وأنا أعمل على الحداثة السعودية في كتابي الأول، وأسمع للفنان طلال مداح -يرحمه الله تعالى- أغنية (لو حبت النجمة نهر) من كلمات الشاعر الحداثي على الضفة الأخرى من اللغة الأمير بدر بن عبدالمحسن، فالشعرية واللحظة الجمالية هنا مكتملة العناصر والأركان، ما اختلف فقط مستوى اللغة، فاللغة الشعبية باللهجة المحكية هي الفارق فقط.

يقول الدكتور سعد البازعي في كتابه (القصيدة الشعبية سمات التحضر وتحديات التجديد) الذي استعرت منه العنوان لمقالتي هذه «النزوع إلى التجديد وما يتضمنه من تحديات مرتكز أساسي للقراءات المتعلقة بالقصيدة الشعبية الحديثة، هنا أحاول إبراز الحداثة الشعرية بوصفها فضاء مشتركاً للشعر الحديث لا تختلف فيه القصيدة المكتوبة بالعامية عن المكتوبة بالفصحى. ما يسعى إليه فهد عافت أو الحميدي الثقفي أو عواض العصيمي أو غيرهم لا يختلف عما يسعى إليه محمد الثبيتي أو عبدالله الصيخان أو أشجان هندي أو غير أولئك من شعراء الحداثة المعروفين».


ومن هنا بدأت محاولات الإمساك باللحظة الشعرية واقتناص الدهشة الجميلة والخفية للعوالم الغارقة بالأسئلة في نص«مذهلة» للشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد، اللحظة الجمالية تعد من أهم إنجازات الأدب، وتلك الأسئلة المذهلة هي المميز الحقيقي للشعرية التي تحتاج إلى مقومات خاصة تلعب فيها الموهبة دوراً كبيراً داخل النص الإبداعي، اللحظة الفاصلة اللحظة الحاسمة هي تلك الومضة والهزة التي تمسك بوجدانك طويلاً فتوشم روحك وتحفر داخل ذاكرتك معلنة اقتناص لحظة جمالية لن تتكرر كثيراً فكانت أغنية (مذهلة) علامة جمالية فارقة للشعر الغنائي السعودي للحمولات الدلالية العميقة والمكتنزة داخل النص، وإن كان النص هو فرس الرهان الأول فلا يمكن تجاوز الموسيقى التي حلقت بالأساليب التعبيرية سماوات الدهشة، وصوت الفنان محمد عبده الذي دثر النص بدفء إحساسه، ولكن يظل النص عصياً على الإمساك متفلتاً من معايير النقد الجمالي لأن النص العصي المتجاوز هو من يفرض قوانينه على النقد وقد كان نص (مذهلة) مذهلاً في ذلك.

لهذا النص الإبداعي (مذهلة) مواقف رائعة فقد ساعدني وما زال في أن أقرب الصور واللغة الشعرية داخل النص الفصيح ونحن نعلم صعوبة وغموض اللغة في الشعر الحديث، فعندما كنت أدرس مواد الشعر الحديث وأجد تلك الصورة الموغلة في التعقيد وأجد طالباتي وقد وقفن على مسافات بعيدة من الفهم والتأويل فلا أجد مخرجاً من ذلك إلا بعرض مقطع من نص مذهلة.

مثلاً: فكرة الثنائيات التي تعتمد عليها البنيوية بوصفها نظرية حداثية هي ما يقوم عليه نص مذهلة وبقدرة خارقة مثلاً يقول الأمير عبدالرحمن بن مساعد:

طيبها قسوة جفاها

ضحكها هيبة بكاها

روحها حدة ذكاها

تملأك بالأسئلة

ثم تأتي الأسئلة التي لا تملك عليها الإجابة إلا بأسئلة أخرى من شاعر عظيم كالثبيتي في قصيدته «الأسئلة»

هل يعودُ الصِّبَا مُشرعاً للغناءِ المُعَطّر

أو للبكاءِ الفصيحْ؟

هنا تبدأ المقارنات بين تلك النصوص من مستويات متعددة من اللغة، لنصل بها إلى عقول غضة طرية نختار من المسالك والطرق أجملها للوصل إلى فهم للغة الشعرية الحديثة!

كاتبة سعودية

monaalmaliki@