-A +A
هاني الظاهري
في خطوة هي الأولى من نوعها في القارة الأوروبية، أعلنت النمسا أخيراً أنها تنوي استحداث جريمة جنائية تسمى «الإسلام السياسي»، ضمن مجموعة من الإجراءات التي تستهدف مكافحة الإرهاب بعد الهجوم الإرهابي الذي قتل فيه 5 أشخاص وأصيب نحو 20 آخرين في العاصمة النمساوية فيينا.

رئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتس أعلنها صريحة في حسابه الشخصي على تويتر إذ كتب: «سنستحدث جريمة جنائية تسمى الإسلام السياسي حتى نتمكن من اتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين ليسوا إرهابيين، لكنهم يخلقون أرضية خصبة لهم»، فيما أشارت وسائل إعلام متعددة إلى أن قانوناً جديداً سيصدر في النمسا يهدف إلى إبقاء المدانين بجرائم إرهابية خلف القضبان مدى الحياة، والمراقبة الإلكترونية للمدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب عند إطلاق سراحهم، وتجريم التطرف السياسي بدوافع دينية.


والحق أن القلق الأوروبي المتزايد من جماعات الإسلام السياسي بات يسيطر على المزاج الشعبي العام، إذ توصلت دراسة أشرف على إعدادها معهد تشاتام هاوس البريطاني إلى رفض معظم الأوروبيين استمرار فتح باب الهجرة للمسلمين بسبب المخاوف الأمنية الناشئة عن الحوادث الإرهابية.

الدراسة المشار إليها التي نشرت نتائجها قبل فترة شملت مواطني عشر دول أوروبية وشارك فيها أكثر من 10 آلاف شخص عبر 55% منهم عن رأيهم بكلمة «نعم» تعليقاً على جملة: «يجب وقف الهجرة من دول ذات غالبية مسلمة».

الدول الأوروبية العشر التي أجريت فيها الدراسة هي بلجيكا وألمانيا واليونان وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا والمجر وبولندا، وبالرغم من وجود جاليات مسلمة كبيرة في بعض هذه الدول كفرنسا وبلجيكا وبريطانيا إلا أن الصوت الرافض لاحتضان المهاجرين المسلمين لم يتغير، فيما جاءت أقوى نسبة رفض للمسلمين في بولندا إذ وصلت إلى نحو 71%، أما تفاصيل الدراسة فهي أكثر إثارة من نتائجها العامة، إذ بينت أن كبار السن أكثر رفضاً لهجرة المسلمين من غيرهم، فقد وافق 44% من المشاركين في الدراسة من الفئة العمرية بين 18 و29 سنة على منع المسلمين من دخول بلدانهم. في المقابل، كانت نسبة 63% مع المنع وتتراوح أعمارهم بين 60 سنة فما فوق. كما بينت الدراسة أن «المستوى التعليمي لعب دوراً واضحا في الوصول لهذه النتائج، فـ59% من المشاركين من ذوي التعليم الأساسي يرغبون في وقف هجرة المسلمين، مقابل 48% ممن يملكون شهادة جامعية. لكن رغم ذلك فإن واحداً من اثنين من ذوي التعليم العالي يرغبون في وقف دخول المسلمين إلى بلدانهم.. أما الجنس ومكان الإقامة فلا يلعبان دوراً كبيراً: 57% كانوا من الرجال فيما كان 52% من النساء. ومن المهم الإشارة إلى أن سكان المدن الكبيرة كانوا منفتحين أكثر بقليل من سكان المدن الصغيرة والمناطق الريفية بنسبة 52%، مقابل 55% و52% على التوالي».

تشعر الشعوب الأوروبية اليوم بأنها تدفع ثمن أخطائها بعد أن كانت أكثر شعوب العالم ترحيباً بالمهاجرين من دول العالم الثالث خلال القرن الماضي، وكل ذلك بسبب أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي التي ارتكبت -كما هو واضح- أكبر جناية تاريخية في حق الدين الإسلامي وأتباعه في شتى بقاع الأرض، وإن كان بعض السياسيين الأوروبيين وأصحاب القرار لم يستوعبوا حتى هذه اللحظة المزاج الشعبي الرافض لهجرة المسلمين فإنهم سيستوعبونه غداً أو بعد غدٍ، وستغلق أوروبا أبوابها في وجوه المسلمين بشكل رسمي، لكنها -في الآن ذاته- ستكون قد أغلقت بابها في وجه مبادئها التي اعتنقتها طوال القرن الماضي، ولا أحد يستطيع أن يلومها على ذلك، فالأمن قبل كل شيء دائما وأبداً.

كاتب سعودي

Hani_DH@