-A +A
حمود أبو طالب
وحدث ما هو متوقع بأن حماية النظام السياسي وسمعة الديموقراطية الأمريكية ممثلة بمؤسسة الرئاسة أهم من النزاعات الحزبية والاتهامات التي يراد منها تعطيل نتيجة العملية الانتخابية وتعليق الانتقال القانوني للسلطة، والاحتفالية التي تمت مساء السبت بفوز بايدن بالأصوات اللازمة هي في الواقع بمثابة إعلان رسمي بكونه الرئيس القادم، ولم يبادر كثير من رؤساء الدول بتهنئته لو لم يكن الأمر كذلك، رغم احتجاج ترمب وإصراره على الدفع بملف الاحتجاج إلى ساحة القضاء.

خمسة أيام أمضاها سكان كوكب الأرض في متابعة الانتخابات الأمريكية لحظة بلحظة، وهذا لا يحدث إلا لأنها أمريكا وكل دولة تستعد لترتيب أوراقها بناءً على من هو القادم الجديد إلى البيت الأبيض والتوقعات بشأن سياساته، لا يحدث هذا أبداً مع الانتخابات في أي دولة أخرى من الكبار، الكرملين ليس فيه سوى سيد واحد منذ سنوات وسيستمر إلى أجل غير مسمى، أي أنه لا توجد ديموقراطية انتخابية يترقبها العالم. قصر الشعب في بكين يحكم قبضته عليه الحزب الشيوعي الذي يدفع برئيس يضع مواصفاته والمطلوب منه حتى يتم استبداله بآخر، يدخل من يدخل إلى 10 داوننغ ستريت لكنه لا يهز العالم بهذا القدر، وكذلك الحال لمن يدلف بوابة قصر الأليزيه، إنها إذن أمريكا العظمى والوحيدة، بغض النظر عن أي نوع من المشاعر والمواقف والآراء تجاه سياساتها الخارجية، فالبيت الأبيض سيبقى وحده بيت العالم طالما استمر العالم بالتركيبة القائمة.


ولذلك من الطبيعي أن يبادر العالم بطرح التوقعات لما ستكون عليه سياسة الرئيس الجديد، وفي المقدمة عالمنا العربي ودول منطقة الشرق الأوسط بالتحديد، هذه المنطقة الاستراتيجية التي استمرت لزمن طويل بؤرة اهتمام أمريكا، والتي تحولت إلى ساحة ملتهبة نتيجة السياسة الأمريكية فيها أيضا، لكن الخطأ الاستراتيجي الذي يقع فيه أغلبية المشتغلين بالشأن السياسي في هذه المنطقة هو اختزال كل السياسات الأمريكية وقرارتها في شخص الرئيس فقط، ونسيان العمل المؤسسي للإدارة الأمريكية التي لا يمثل الرئيس سوى واجهتها رغم كل ما لديه من صلاحيات دستورية.

أمريكا لديها برنامج عمل سياسي خارجي مؤسسي طويل المدى بغض النظر عمن يكون في البيت الأبيض، وقد قال أحد السياسيين الأمريكيين البارزين ذات زمن ليس ببعيد: أنتم تفكرون في ماذا سيفعل الرئيس القادم بينما نحن في الواقع نفكر في ماذا سنفعل بعد عشرين أو ثلاثين عاما لأننا قد فرغنا مما هو قبل ذلك.

habutalib@hotmail.com