-A +A
حمود أبو طالب
ليس لكاتب أن يزعم بأن الانتخابات الأمريكية لا تهمه، وذلك لسبب بديهي لا يحتاج إلى جدال، هو أنها انتخابات الدولة الأقوى والأعظم في العالم، ولكني كمواطن سعودي لا أشعر بالقلق من نتيجة الانتخابات سواء جاء بايدن أو استمر ترمب، لثقتي بأن المملكة لديها رصيد ضخم من الخبرة والحنكة في التعامل مع الإدارة الأمريكية، سواءً كان الجالس في المكتب البيضاوي جمهوريا أو ديمقراطيا.

تعاملت المملكة مع رؤساء من الحزبين خلال أحداث مهمة ومفصلية في التأريخ الحديث للعالم عموماً، وفي منطقتنا على وجه الخصوص، ونجحت خلال أزمات كثيرة في أن توازن بين مواقفها السيادية وعلاقاتها مع الحليف التأريخي حتى لو اختلفت رؤية الجانبين، أو حتى تضادت تماما، وفي بعض الأحيان قررت المملكة اتخاذ مواقف مفاجئة للإدارة الأمريكية، نتج عنها فتور مؤقت في العلاقات، لكن الأمور تعود إلى سابقها بفعل الدبلوماسية الحصيفة الواعية للمملكة، ومعرفة الحليف الأمريكي باتزانها وحيثيات القرارات والمواقف التي تتخذها المملكة أحيانا وتكون مخالفة لتوجهات سياسته.


في النهاية هي علاقات مصالح مشتركة وعميقة ومستمرة، يعرف الطرف السعودي كيف يحافظ عليها، ويعرف الطرف الأمريكي أنها مصالح إستراتيجية بغض النظر عن أي تقلبات عابرة. أمريكا تبحث عن علاقات مستقرة مع الأطراف المتزنة ومؤسسات الحكم الراسخة والدول المتزنة ذات الثقل والتأثير في محيطها والعمق الإستراتيجي السياسي والاقتصادي، والمملكة تتوفر لها هذه الصفات بامتياز. ومهما حدث من لغط إعلامي وحملات ممنهجة ضد المملكة في بعض الأوقات على خلفية أحداث معينة فإنها لا تزيد عن زوابع في فناجين المماحكات السياسية الأمريكية الداخلية، والاستقطابات الانتخابية، لكن في نهاية الأمر هناك إستراتيجيات عامة للإدارة الأمريكية لها مصالح عليا تعرف كيف تديرها.

صحيح أننا مررنا عربياً وشرق أوسطياً بمرحلة مزعجة خلال فترتي الديمقراطيين في عهد أوباما، لكن فترة ترمب لم تخل من سلبيات أيضا رغم بعض التحسن، في النهاية هي أمريكا ذات المصالح بعيدة المدى التي تتطلب استقطابها وتوظيفها لأطراف غير مريحة لنا، ولكن في النهاية أيضا نحن نتحدث عن السياسة التي تكون مساوئها لدى البعض محاسن عند بعض آخر، والمهم كيف يكون الخوض فيها للخروج بأكثر الفوائد وأقل الأضرار، وهذا ما تجيده المملكة مهما حدثت من تقلبات، وبغض النظر عمن تدفع بهم الانتخابات الأمريكية إلى سدة القرار.

habutalib@hotmail.com