-A +A
أروى المهنا
تناول مفكرون وباحثون متخصصون؛ وفي أكثر من سياق، إشكالية ملف الثقافة والتعليم في مرحلة ما بعد الكولونيالية أو ما بعد «الاستعمار»، وذلك في محاولة منهم لتشريح أو معالجة هيمنة المعارف الغربية والتي ما زال المجتمع رغم تحرره السياسي متمسكاً بها، أي الثقافة الغربية، وإن اختلف تعريف الهيمنة في هذا الإشكال لكن بشكل أو بآخر نلحظ تأثيرها في عالمنا العربي وفي المناطق التي وقعت تحت الاستعمار، والسؤال هل مشروعية الثقافة الغربية... مشروعية ثقافة معرفية عالمية؟

يعيدني السؤال للباحث المغربي جميل حمداوي وإلى البحث الذي قام به حول نظرية ما بعد الاستعمار، أضاء في بحثه على نظرية ما بعد الاستعمار من أكثر من جانب سواء كان بشكل مفهومي أو حتى بالشكل الذي خرجت فيها هذه النظرية إلى حقل المدارس والتيارات الفكرية حولها، إذ عمل حمداوي في بحثه على عشر متطلبات تنبني عليها المرتكزات الفكرية والمنهجية لنظرية ما بعد الاستعمار، إلا أنه توقف كثيراً على دور المثقف في قراءة الخطاب الاستشراقي الغربي، بل حتى تقويض ما عملوا عليه ما دام التمركز الذي يتبنونه -أي الغرب- تمركزا مبنيّا على اللون، والعرق، والطبقة، والدين.


وحول دور المثقف عمل ألبرت تشينو أتشيبي الكاتب النيجيري الملقب «أبو الأدب الأفريقي» ومن خلال روايته «أشياء تتداعى» والتي حصلت على أصداء كبيرة في جميع أنحاء أفريقيا، ويتداولها القرّاء على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم عمل على رد بليغ من خلال الكتابة على الخطاب الاستعماري حيث تدور معظم أحداث القصة في قرية واقعة غرب مدينة أونيتشا على الضفة الشرقية لنهر النيجر، تصور الرواية ثقافة إغبو (شعب)، حيث يعيش السكان الذين يتحدثون لغة الإغبو في مجموعات في قرى مستقلة يحكمها شيوخ القبائل. تعكس الرواية عادات شعب أونيتشا الحقيقيين الذين يعيشون بالقرب من أوغيدي. في غضون أربعين عاماً من وصول البريطانيين، وفي الوقت الذي ولد فيه تشينو أتشيبي، ترسخت حملات المبشرين في المنطقة وقد كان والد أتشيبي من أوائل الذين اعتنقوا المسيحية في أوغيدي. أما أتشيبي فقد كان يتيماً رعاه جده الذي كان يعارض تحول أتشيبي للمسيحية، لكنه سمح بزواجه زواجاً مسيحياً. عمل المؤلف في روايته على إرسال رسالة مفادها أن المستعمر سَعى إلى بثَّ الفرقة والاستهزاء بالعادات والتقاليد التي عرفها أهل القرية.

ومن جهة أخرى وحول هيمنة المعارف الغربية أشار الدكتور عبدالله الرشيد في مقالته «ماذا لو كان ابن حزم فرنسياً» والتي نشرت في الأسابيع الماضية في صحيفتنا «عكاظ» «إلى ظاهرة بعض العرب ممن يتفننون في نفي كل خصائص التميز والإنجاز والعبقرية في الحضارة العربية ثم ينسبونها لقوميات وأعراق أخرى»، وشخصياً لا أرى هذا النوع من العرب سوى أنهم يخدمون هذا الخطاب الاستعماري، واقعين تحت هيمنة غربية مركزية مقيتة! وما أكثرهم!

arwa_almohanna @