-A +A
مشعل العقيل
التركيز عملية معقدة وتتأثر بالكثير من العوامل ومن أهمها الجانب النفسي، فمن المتعارف عليه علمياً أن القلق المرتفع يقلل من التركيز، وبالتالي تزداد احتمالية حدوث الخطأ أو اتخاذ قرار غير دقيق، فلو تخيلنا أن شخصاً يقود سيارته وبجانبه صديق يكرر عليه (انتبه) مع كل سيارة تمر به وعند كل موقف وعلى مدار الدقيقة، فتصبح تلك المناداة مدعاة للتشتت وارتفاع احتمالية وقوعهما في حادث مروري، وكذلك نلاحظ أن الشخص الذي يعمل في مكان صاخب سيجد صعوبة في أداء مهامه وخصوصاً إذا كانت تلك المهام تتطلب التركيز ولم تكن معتمدة فقط على المهارات الحركية.

وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى الجو الهادئ في العمل للوصول إلى أعلى درجات التركيز الممكنة، نحن نحتاج أيضاً إلى التوجيه والنقد البناء الذي يساعدنا في السير إلى الهدف في أقل مدة ممكنة وبأقل احتمالية خطأ، وكثيراً ما نحصل على ذلك التوجيه عن طريق الآخرين، ولذلك أصبح التوجيه مهارة نستعين بها دون إفراط ولا تفريط حتى نصل إلى إيجابيات النقد وفعالية التركيز، فالفريق يحتاج إلى توجيهات مدربه ولكن المدرب الذي يوجه لاعبيه مع كل هجمة وفي كل دقيقة حتما سينعكس ذلك سلباً على أدائهم، والمعلم الذي يراقب طلابه عن قرب مع كل سطر أو رقم يكتبونه سيجعل الطالب يفقد التركيز، وتزداد لديه احتمالية الخطأ وربما أصبح معتمداً على توجيه المعلم أكثر مما لديه من مهارة ومعلومات، وقد يكون المعلم في تخصص مختلف عن مادة الاختبار.


ازدادت في الآونة الأخيرة كثافة النقد وحدته مع تزايد وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها من قبل مختلف الأعمار والتخصصات والثقافات، وأصبحنا نجد الهاشتاقات مع كل تعميم أو قرار، ويشارك فيها الناس من مختلف دول العالم، ومع وجود إدارات لدى الكثير من المؤسسات الحكومية تراقب ردة فعل الرأي العام أصبح من المتوقع أن يعيش المسؤول وصاحب القرار درجة عالية من الضغط والتوتر اللذين يؤثران على تركيزه في العمل، وقد يؤثران أيضاً على الاعتبارات التي يُبني عليها قراره، فيصبح في هذه الحالة عرضه للتسرع أو إهمال جوانب أكثر أهمية.

من الصعب جدّاً -وقد يصل الى المستحيل- منع الناس من طرح آرائهم التي كثيراً ما تكون ناقدة، ولكن أجد من الصحي التعامل القانوني مع الرأي الذي يتجاوز الحدود المسموح بها قانونياً والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى التشكيك في أمانة المسؤول أو انتمائه وولائه وغير ذلك من التجاوزات، كما أن الكثير من المسؤولين يتمتعون بخبرة ومهارة في التعامل مع مثل هذه الظروف، وذلك عن طريق فلترة الكثير من هذه الانتقادات على ألا تكون بطريقة انتقائية فيترك النقد ويأخذ المديح، ومع الوقت تصبح لدى بعضهم مهارة في قدرتهم على حماية أنفسهم من التوتر الذي قد ينتج من تلك الانتقادات فيأخذون الفكرة بتجرد من محتوى الكلمات ولا يجعلونها مقياساً لنجاحهم أو إخفاقهم، وفي النهاية أجد أن المواطن يساهم في صنع المسؤول الناجح وقد يساهم أيضاً في خسارة مسؤول مميز وبقدرات عالية في مجاله.

كاتب سعودي

alaqeelme@