-A +A
أريج الجهني
أخيرا بدأنا بالخروج من اللطميات والبكائيات التي رافقت المشهد الثقافي لعقود ومحاولة تصوير المثقف أنه مكسور الجناح! وأنه غير قادر على شراء أقل احتياجاته، شخصيا لم أستفد أي شيء من الخطاب الثقافي القديم والتقليدي الذي لا يختلف في بعض أوجهه عن الخطاب الصحوي من حيث تكريس الإقصاء أو حتى تنميط المرأة ومحاولة الاستحواذ عليها من أشباه المثقفين، بالتأكيد أن هذه النقطة لا يود أحد مناقشتها لكن نعم القوالب الثقافية السائدة بائدة، الرائع أن وزارة الثقافة وبزمن قياسي استطاعت إحداث نقلة في مفاهيم الثقافة وكسر الصورة النمطية بل قلبت الطاولة وقدمت «الثقافة كمهنة» وهذا محور الحديث.

«الخياطة ليست مجرد ملابس» هكذا قالت الأستاذة نورة شافي القحطاني في الندوة الثقافية الافتراضية التي تم بثها عبر قناة يوتيوب الخاصة بالوزارة، تناولت الندوة مفهوم الحرف اليدوية والصور النمطية، تحدث أحمد عنقاوي أيضا عن تأثير مكة الثقافي على العالم وعن الفجوة بين التصميم والحرفية وتوجه العالم للمنتجات المستدامة والقابلة لإعادة التدوير، الندوة لم تكن متميزة بمحتواها وضيوفها فقط، بل بقالبها التقني وأيضا في رسالتها المباشرة عن قيمة وأهمية تمهين ما نحب، نعم البعض حينما نتحدث عن الكتابة أو الرسم أو النحت أو الطبخ يصنفها في فئات الهوايات وهي بالفعل أكثر من مجرد هواية، صناعة المحتوى الثقافي لا تحدث بشكل عشوائي بل هي صناعة لها وزنها.


«الاقتصاد الثقافي» و«صناعة الموسيقى» وغيرها مفاهيم يجب أن تكون حاضرة، اطلعت على تقرير مجلس الفنون في إنجلترا المعد من مركز البحوث الاقتصادية والتجارية (CEBR)، كانت صناعة الفنون والثقافة في عام 2016 مصدرا لأكثر من ٢١ مليار جنيه إسترليني ووفرت 137.250 فرصة عمل، التقرير يشمل نشر الكتب والتسجيل الصوتي ونشر الموسيقى والفنون المسرحية والإبداع الفني وتشغيل مرافق الفنون، على مستوى الاتحاد الأوروبي يساهم الفن والثقافة بمردود عالٍ ومستمر، النظرة الجادة للثقافة تقتضي أن نخرج من عباءة المجاملات للتعاطي أكثر مع المحتوى بجدية.

في كل الاجتماعات التي حضرتها في النصف الثاني من العام الجاري ٢٠٢٠، أجد شبه إجماع من صناع القرار أن المهمة الأساسية التي نحتاجها بالدرجة الأولى هي (صناعة المحتوى) يليها (تسويقه) بشكل جيد، تظل عوامل (المقاومة الثقافية) وأيضا والأهم (التسرب للعمالة غير المؤهلة والتي تؤثر في رفع البطالة) تجعل العائق أمام (المثقف المهني) مرهقة بل تجعله يواجه عبء الإرث القديم وتركة البؤساء، ومن جهة أخرى صعوبة اختراق بعض المهن تحدثوا للمصورات والرسامات السعوديات ستسمعون قصصا عجيبة، كذلك للكتاب السعوديين وشح المدخولات أمام كتاب غير سعوديين تتجاوز مكافآتهم الـ١٢ ألف ريال شهريا!

القصة ليست عنصرية وليست استجلاب للجماهير، إنما هذه رسالتي للمسؤولين وصناع القرار أعيدوا هيبة المثقف السعودي (الجديد) المنتج والقادر على صناعة محتوى وساعدوا في فلترة الساحة من الوجوه الدخيلة والتي جعلت ولاءها للخارج، الثقافة مهنة وليست هواية والإنتاج حرفة ويحتاج الصبر والجلد، وجود عينات عبثية لا يعني أن كل من هم في المشهد مزيفون. وأخيرا حبذا لو تم التوقف عن التصفيق للمتنمرين ومن شبعوا استفادة وانتفخت جيوبهم من الفراغ الثقافي واستمعوا للطرف المنجز ومن يعمل بصمت وشغف ويصنع المستقبل.

areejaljahani@gmail.com

كاتبة سعودية