-A +A
هيلة المشوح
بعيداً عن الخوض في تفجير مرفأ بيروت الذي أشبع تحليلاً بمسبباته وأهدافه ومن خلفه، وقبل أن يزج بهذا الحدث الجلل فيحيز القضاء اللبناني بحكومته الحالية التي هي جزء من القضية إن لم تكن القضية برمتها، قبل كل ذلك أمام العالم -حكومات وشعوباً- خيارين لا ثالث لهما، (إما لبنان أو حزب الله)، إما لبنان حرة مستقرة آمنة ومنتعشة اقتصادياً أو حزب مجرم ومصنف إرهابياً يحكم دولة ويثير الرعب على أرضها وخارج حدودها، أما انتظار نتائج التحقيقات التي ستفضي في النهاية إلى نفق طويل ومظلم أكثر ظلمة من نفق اغتيال الحريري، فهو قبر للقضية برمتها في ذات الحفرة التي أحدثها التفجير وبين ركام جثث الأبرياء وجراح الأحياء وأحزان الثكلى!

قد لا يعرف البعض أهمية لبنان بالنسبة للمملكة العربية السعودية ولمن يجهل ذلك فليعد إلى الوراء قليلاً، إلى اتفاق الطائف الشهير الذي أنهى الحرب الأهلية الطاحنة في لبنان بعد أكثر من 15 من اندلاعها، الاتفاق الذي دعا إليه الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- في 30 سبتمبر 1989 في مدينة الطائف، وأقرت خلاله وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، وأفضت إلى توافق الأطراف المتنازعة بعد حروب أهلية مريعة نصت وثيقته على إعادة هيكلة النظام السياسي للميثاق الوطني وتأكيد السيادة اللبنانية على الجنوب المحتل من قبل إسرائيل، كذلك حددت إطاراً زمنياً للانسحاب السوري من لبنان في غضون عامين، وحرصت الاتفاقية على مبدأ «التعايش المشترك» بين الطوائف اللبنانية وتمثيلها السياسي السليم كهدف أساسي للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، وقد تابعت المملكة تنفيذ الاتفاق، كما تبنت إعمار لبنان وتقويم اقتصاده بكافة السبل والهبات والبناء حتى أصبحت لبنان قبلة المصطافين ومقصد المتمتعين كما كانت في السابق، وقد عادت إليها الحياة والاستقرار السياسي إلى حد كبير.


بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري 2005 وصعود حزب الله وهيمنة إيران على المشهد اللبناني الكامل ومع التقلبات السياسية في لبنان، ومحاولات المملكة إعادة لبنان إلى حضنها العربي، والتأزيمات السياسية التي مرت بها تلك الجهود جاء موقف المملكة 2011 شبه حاسم بعد تصريح الأمير سعود الفيصل بأن الملك عبدالله -رحمهما الله- قد رفع يده من لبنان، اختصرها بهذه الجملة: «إذا وصلت الأمور إلى الانفصال والتقسيم، يكون لبنان انتهى كدولة تحتوي على هذا النمط من التعايش السلمي بين الأديان والقوميات والفئات المختلفة»، وقد حدث بالفعل ما كانت تخشاه المملكة فسبقت توقعاتها الجميع.

لنكن أكثر موضوعية وشفافية ونتناول الملف اللبناني ببعده السياسي الذي يحتم إعادة لبنان إلى محيطها العربي بعد سلخه تدريجياً ليبقى أسير الهيمنة الإيرانية وتحت تأثير خطابات حسن نصر الله المنمقة، ولندرك جيداً أنها لن تنتهي أزمة «بقايا لبنان» إلا بحل وتفكيك حزب الله كذراع إيراني إرهابي متورط بإخلال أمنها واستقرارها، أما المحاصصة السياسية فتحددها الكفاءة والنزاهة لا الطائفة وتكتلاتها المتناحرة وأطماعها الخارجية، ولن يحدد مستقبل لبنان سوى إرادة شعبها الذي يستحق العيش بكرامة ومستقبل يعانق الحياة، لا حياة تنتظر الموت فوق ركام المتفجرات، وأقول بقايا لبنان لأن لبنان باتت -فعلاً- بقايا وأشلاء دولة، فإما لبنان الجميلة أو حزب الله الإرهابي !

كاتبة سعودية

hailahabdulah20@