-A +A
أنمار مطاوع
الأمانة ليست خُلق الإسلام فقط.. ولا خُلق المتديّن فقط.. ولكنها خُلق الإنسانية في أساسها ومبدئها. لو تمسك الإنسان -حتى لو لم يكن متدينا- بهذا الخُلق (الأمانة).. ستتحقق فيه قيمة الإنسانية العالية. ربما للدلالة على مصطلح الأمانة تجدر الإشارة إلى بعض المصطلحات المرتبطة به: النزاهة، الصدق، الوفاء بالعهود، حفظ السر.. وفي المقابل، يكفي أنّ تضييع الأمانة من صفات النفاق.

أهمية الأمانة تكمن في أنها ليست فائدة فردية.. بل مجتمعية تنعكس على كافة أفراد المجتمع؛ سواء في حالات الالتزام أو الإخلال.. يتأثر المجتمع ككل. المعلّم الذي يحرص على تقديم العلم بشكل كامل دون تحريف أو تزييف أو نقصان إلى طلابه.. يدخل تحت مظلة الأمانة. الموظف الذي يحرص على أداء عمله دون تهاون أو استهتار أو تسويف.. يدخل تحت مظلة الأمانة. الطالب الذي يحرص على القيام بواجباته واختباراته على أكمل وجه -خصوصا من خلال الاختبارات عن بعد التي لا يفصله عن الغش فيها بكافة الوسائل المتاحة سوى الأمانة- يدخل تحت مظلة الأمانة. تعامل الأب والأم مع أطفالهما وتربيتهم التربية الصحيحة انطلاقا من مفهوم الإحساس بأن أطفالهما أمانة من الله عندهم.. يدخل تحت مظلة الأمانة.


الغريب أن بعض الأفراد يلوون ذراع مفهوم الأمانة ليركبهم هم فقط بكل صفاتهم وسلوكياتهم.. أو يحصرونه في التعاملات المادية؛ أيضا حسب مفهومهم وسلوكياتهم. هؤلاء لا يتوانون عن انتقاد من يغشون الأكل في المطاعم.. ولا يترددون في الدعاء المغلظ على المزورين في أسماء السلع والمنتجات الحيوانية والنباتية والمائية.. ولكنهم في نفس الوقت لا يترددون أيضا في شراء منتجات مقرصنة سعرها منخفض.. بل ويشجعون عليها متحججين بارتفاع سعر الأصلي. ولا يتراجعون للحظة عن شراء أجهزة لفتح كل القنوات المشفرة التي يفترض أن يدفعوا مقابل مشاهدتها. ولا يُستبعد أن يكونوا من زوار مواقع ومحلات بيع الأفلام وبرامج الألعاب والتطبيقات المقرصنة. يفعلون كل ذلك بدم بارد. نفس فكرة من نشر قبل قليل حديث: من غشنا فليس منا.. تعليقا على مشهد أو لقطة أو صورة.. وهو في ذات الوقت يلعب بلعبة مقرصنة ويشاهد فلما مقرصنا ويستخدم التقليد المقرصن عوضا عن الأصلي.

الأمانة كمفردة ثقافية، هي الطريق الأمثل لارتقاء الأمم.

كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com