-A +A
طارق الحميد
صحيح أن التركيز الإعلامي ينصب الآن على خطورة الغزو التركي للأراضي الليبية، وما يشكله ذلك من خطر على مصر، وبالتالي على صميم الأمن القومي العربي، إلا أن هناك مخاطر أخرى لا بد من ضرورة التنبه لها جيدا.

نقول ذلك لأن التمدد التركي في ليبيا لا يعني استهداف مصر وحسب، وإنما يعني محاولة إحياء الإسلام السياسي، وتحديداً الإخوان المسلمين، في أجزاء عربية من أفريقيا، وذلك باستهداف دول عربية ما زالت في مرحلة انتقالية، وتعاني من أزمات داخلية حقيقية.


من يتأمل خارطة ليبيا، ويحاول قراءة تحركات الإخوان المسلمين، وعلى رأسها القوة التركية الغازية، سيلحظ أن ليبيا؛، وهي الدولة الغنية، تمثل نقطة انطلاق محتملة، ومكتملة، نظراً للموقع، والثروات، لاستهداف تونس، مثلا، وغزوها فكرياً، وهي قابلة لذلك بوجود حزب النهضة الإخواني.

وكذلك إمكانية استهداف الجزائر، أو زعزعة استقرارها بإعادة صراع الإسلاميين مع العسكر. وإمكانية التمدد الإخواني- التركي في المغرب أيضاً، مما يعني استهداف كل المغرب العربي.

والموقع الجغرافي لليبيا، وقوتها النفطية، كما أسلفنا، يمكن أن يحولها إلى منصة ونقطة انطلاق للتمدد الإخواني- التركي إلى السودان، وبكل سهولة، والسودان حاله حال تونس والجزائر، حيث لا يزال يعاني من مخاض الفترة الانتقالية، ويتأهب لكسر إسورة الإرهاب التي ألبسه إياها نظام البشير.

كل ذلك يقول لنا إنه قد لا تكون مصر الهدف الأول للعثمانية الجديدة الآن، بقيادة أردوغان، وبغدر من تنظيم الإخوان المسلمين، وإنما قد يكون الهدف الآن، ومرحلياً، هو بسط النفوذ بليبيا، والسيطرة على النفط، وفرض هيمنة الميليشيات الإرهابية المسلحة هناك، ثم التمدد لدول الجوار الانتقالية، مما سيشكل طوقاً جغرافياً من الإخوان المسلمين، والأتراك، ومعهم الإفساد القطري، على مصر، وهذا أخطر من الاستهداف المباشر.

وبالتالي يتم إرساء السطوة التركية- العثمانية على أفريقيا، مما سيفتح أبواب الجحيم على دول المنطقة، ويهدم مفهوم الدولة العربية، ويجعل من الصعب على أي حاكم تركي جديد التنازل عن مناطق النفوذ الجديدة المغتصبة.

وذلك يعني بالطبع إحياء الإسلام السياسي من جديد، وبدولة نفطية، قد تسيطر على الدول الأفريقية المجاورة لها، وعلى مشارف أوروبا، التي قد لا يشكل الإخوان المسلمون تهديداً لها الآن، كون الإسلام السياسي أظهر انتهازية صارخة.

وربما يسعى الإخوان للتماهي مع أوروبا بخدعة الديموقراطية، وشعارات أخرى وذلك من أجل إنجاح مخططهم لإسقاط مصر، وباقي الدول العربية، وتحديداً دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية.

وهذا مخطط انفضح من خلال تسريبات أشرطة القذافي التي أظهرت مدى جديته، وخطورته. وعليه فإن ما يفعله أردوغان بليبيا ليس خطراً على الحدود، وإنما خطر على الوجود.

كاتب سعودي

tariq@al-homayed.com