-A +A
مشعل العقيل
الجميع مطلع على الأرقام والإحصائيات المتصاعدة في ما يخص حالات الإصابة بكورونا، والكثير سمع بأعداد الحالات الحرجة التي تصل إلى المستشفيات والأرقام المتزايدة في عدد الوفيات، ومن المتوقع أن نصاب بالقلق والتوتر عند سماعها فيدفعنا ذلك إلى المزيد من الحرص بتطبيق الاحترازات الصحية من تباعد اجتماعي وعدم الخروج إلا لضرورة، ولكن هذه الزيادات تعني اختلاطاً أكبر واحتمالية إصابة أعلى للممارسين الصحيين في خط الدفاع الأول خلال معركتهم مع كورونا لعلاج المصابين، ونلاحظ أن السعال أصبح بمثابة جرس إنذار عندما نسمعه في الأماكن العامة نحاول الابتعاد، ويسمعه الممرض والطبيب وأخصائي العلاج التنفسي وغيرهم من التخصصات بمثابة إنذار للاقتراب ليطمئن على صحة مريضه، نجده يمارس عمله وهو يكبح جماح خوفه ويشتت كل فكرة قلقة تراوده حتى لا تؤثر على جودة عمله ورعايته لمرضاه.

هنالك من ينتهي عمله ليعود إلى منزله الخالي من أهله بعد أن ابتعد عنهم حتى لا يعيش قلق نقل العدوى إليهم فقد تشبعت طاقة تحمله، وآخر يفكر في طريقه إلى المنزل بعائلته التي تسكن في مدينة أخرى وتجنب زيارتهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية واكتفى بمعايدتهم عن بعد، وهنالك من فضلت عائلته البقاء معه ومشاركته القلق ولكنه يشعر بنغزات الخوف مع كل لحظة يقترب طفله منه ويتذكر صديقه الذي أصابه المرض وعائلته، يقضي ساعات في محاولة الاسترخاء ليذهب بعدها إلى النوم استعداداً لمعركة جديدة لإنقاذ مرضاه، فيتبادر إلى ذهنه صور مرضاه وتعبهم وتساؤلات عن مدى استقرار صحتهم وهو يستحضر تفاصيل كل حالة والتي تحمل معها قصة مختلفة.


حاولت جهدي لوصف حال الكثير من الزملاء في ميدان معركة كورونا، ولكن لن أستطيع وصف نبرة الصوت وملامح الوجه التي لا يستطيعون السيطرة عليها وإخفاءها، وأجد ذلك الممارس الصحي في اليوم التالي يبادر لأخذ موقعه في ميدان المستشفى والذي أغلقت فيه المطاعم والأماكن التي كان يقضي فيها وقت راحته بين ساعات العمل كإجراء وقائي، والكثير الكثير من التفاصيل التي تعجز الكلمات عن وصف كمية المشقة والضغط والمعاناة التي يعيشها الممارس الصحي في خط الدفاع الأول للتعامل مع الحالات المصابة بالفايروس، ومن اللافت جداً ما أثبتته من كفاءة وجدارة الممرضة والطبيبة والأخصائية من أبناء وطننا في هذه الأزمة وتحملهن المسؤولية والمهام الثقيلة وباقتدار.

تقع مسؤولية كبيرة على عاتق صاحب القرار في كل منشأة صحية في هذه الفترة تحديداً في ما يخص المحافظة على الكوادر الطبية من الاحتراق الوظيفي والمضاعفات النفسية، فهنالك من قد تمنعه الاجتماعات والأعمال المكتبية من استشعار أجواء الواقع الميداني، ومن المهم أخذ الجانب النفسي في الاعتبار عند اتخاذ القرارات والتوصيات ومدى قابليتها للتطبيق في الميدان، وينبغي ألا تقتصر رغبتهم العالية على حماية الممارسين الصحيين من الإصابة بالعدوى حتى لا نخسر وجود كل فرد منهم في هذه الفترة الحرجة، فمن الضروري أن تشمل تلك الرغبة وذلك الاهتمام الجانب النفسي والدعم وبطرق مختلفة، ونجد أن معظم المنشآت وفرت خطوط الدعم النفسي الهاتفي والحضوري لهم، وتلك خطوة مهمة، ولكن يبقى السؤال الأهم كيف يمكننا دعمهم قبل وصول الكثير منهم لتلك الخدمة؟.

كاتب سعودي

alaqeelme@