-A +A
هاني الظاهري
الأجواء المشحونة التي تعصف بسياسات البيت الأبيض هذه الأيام ليست رياحا ربيعية عابرة، وإنما إعصار حقيقي يدفع دفعاً باتجاه تسجيل مشهد العشاء الأخير للرئيس ترمب وفريقه في المكتب البيضاوي نهاية هذا العام.

إنجازات الرئيس الأمريكي القوي في المجالين الاقتصادي والسياسي وضعتها الظروف والمتغيرات الأخيرة في مهب الإعصار الذي حولها إلى ركام رمادي كبير، فكل ما بناه ترمب لمحاربة البطالة (على سبيل المثال) وحقق به شعبية كبيرة ورضا داخليا خلال النصف الأول من فترته الرئاسية أجهزت عليه جائحة كورونا تماماً، إذ رفعت أعداد العاطلين عن العمل إلى نحو 40 مليون شخص وهو ما يعادل ربع القوة العاملة في البلاد.


لقد كانت إنجازات سياسة مكافحة البطالة حتى شهر يناير الماضي أهم ورقة لعب رابحة في جيب إدارة الرئيس ترمب، وباحتراقها دخلت هذه الإدارة في نفق الانزلاق السريع نحو الخسارة الكبرى، خصوصاً مع الهزيمة التي لحقت بترمب في معركته لإدارة أزمة كورونا، وظهوره الضعيف في مؤتمراته المتعلقة بالجائحة والتي استخدمها الإعلام ضده بتطرف وسخرية، إضافة بالطبع إلى الرقم الكبير للوفيات المسجلة في الولايات المتحدة.

اعتمد الرئيس ترمب على سياسة الإسقاط في مواجهة كارثة كورونا بدلاً من العمل على معالجتها واقعيا.. عشرات الآلاف من الأمريكيين يموتون ويخسرون وظائفهم كل يوم وهو يردد «الصين هي السبب.. اسألوا الصين»، وهذه سياسة قد تنجح في الأوقات والظروف الطبيعية لكنها فاشلة تماما في أوقات الأزمات الكبرى. وقد انعكس ذلك سريعاً على نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بانتخابات الرئاسة 2020، إذ أظهرت تقدم عميد الديموقراطيين جو بايدن عليه لأول مرة.

44 بالمئة من الناخبين المسجلين قالوا إنهم سيؤيدون بايدن في انتخابات الثالث من نوفمبر، بينما قال 40 بالمئة إنهم سيدعمون ترمب الذي سارع للخروج في مقابلة مع رويترز مشككاً في صدقية النتائج قائلاً: «لا أصدق استطلاعات الرأي.. أعتقد أن شعب هذا البلد ذكي. ولا أظن أنهم سيؤيدون رجلا غير كفؤ»، فيما اكتفى بايدن بوصفه بالـ«الرئيس الأحمق»!.

يمكن تأطير صورة المشهد الحالي في أن هناك عدة براكين نشطة تحت أقدام إدارة ترمب ومن المستحيل الفكاك من تبعاتها.. أهمها باختصار:

- الفشل الذريع في التعامل مع معركة كورونا.

- دخول أزمة اقتصادية تاريخية وتسجيل أرقام بطالة غير مسبوقة.

- حرب شرسة مع الإعلام وشركات التقنية المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي.

- تظاهرات وأعمال شغب خطيرة تنتشر بسرعة جراء حادثة عنصرية في مينيابولس راح ضحيتها شاب أسود على يد شرطي أبيض، واتهامات بتورط ترمب لفظياً في الدعوة للعنف وقتل السود الغاضبين.

- أزمة «مصداقية» بعد إعلان منظمة الصحة وعدد من الدول الأوروبية والمستشفيات الأمريكية إيقاف استخدام دواء «هيدروكسي كلوروكين» لخطورته وعدم جدواه، وهو الدواء الذي أعلن عنه ترمب كعلاج لكورونا ودفع الناس لاستخدامه قبل شهرين، ما دمر صدقيته وأظهره كمندوب تسويق متحايل.

كل ما سبق يؤكد أن موعد العشاء الأخير لترمب قد اقترب، وأن الحظوظ تفر منه متجهة إلى منافسه جو بايدن الذي يبدو أنه بدأ في اختيار أطباقه المفضلة للإفطار في البيت الأبيض.

كاتب سعودي

Hani_DH@