-A +A
عبداللطيف الضويحي
إن أكثر ما أرهق التعليم في السنوات الأخيرة وأدخله في حالة من التذبذب والاضطراب والمد والجزر، هو القرارات غير المدروسة التي ما إن تصدر حتى يتم إلغاؤها أو استبدالها دون مسوغ علمي أو مبرر منطقي.

إن أي متابع لقطاع التعليم يدرك أن أهم الإنجازات التي تحققت في قطاع التعليم خلال السنوات الأخيرة والتي يجب التشبث وعدم التفريط بها هي اختبارات قياس مستويات الطلبة والطالبات التي يتحدد بموجبها الطالب المناسب للتخصص المناسب. ويعد الاختبار التحصيلي في مقدمة هذه الاختبارات المهمة لأنه حتى الآن يعد الأكثر موضوعية ومصداقية وثباتاً وتمييزاً لمستويات الطلبة والطالبات لفرز الطلبة والطالبات تبعاً لإمكاناتهم وقدراتهم ومستوياتهم المعرفية والذهنية.


أستغرب تلك الأصوات التي تتنادى بإلغاء الاختبار التحصيلي بحجة أن جائحة كورونا أوقفت وألغت ما هو أهم من الاختبار التحصيلي في حياتنا. ولا أعرف وجه الشبه بين المطالبة بإلغاء الاختبار التحصيلي وإقفال النشاطات والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية. ما علاقة الاختبار التحصيلي بكورونا؟ فالطلبة والطالبات في بيوتهم ولديهم وقت طويل خلال الأشهر الماضية، بل فراغ قاتل، ولديهم إمكانية أخذ التدريب المجاني الكافي على الاختبار التحصيلي، وتتوفر لديهم التقنية ومن لا تتوفر لديه التقنية تم توفير مراكز يمكن من خلالها أداء الاختبار. لماذا الحنين للفوضى إذاً؟ ولِمَ التخوفات والتحفظات غير المبررة ؟ هل تمنع كورونا الطلبة في بيوتهم من الاستعداد للامتحان وتأدية الامتحان بكل يسر وسهولة؟

إن عقد الاختبار التحصيلي ضرورة لا تقبل المزايدة والمساومة، لأن البديل لإلغائه هي فوضى القبول في الجامعات والمعاهد، حيث يزف مئات آلاف الطلبة والطالبات إلى تخصصات ليست لهم ولا تخدمهم ولا تخدم المجتمع بل تمثل انتكاسة حقيقية لكل ما تم تحقيقه في هذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية.

إن الخلل الذي عانت وتعانيه الموارد البشرية في المملكة من حملة الشهادات الجامعية والدراسات العليا حالياً وعلى مدى أجيال يعود لأسباب من أهمها وأبرزها فوضى القبول في الجامعات، والتي خرّجت طلاب الإدارة من كليات الهندسة وحوّلت طلاب الطب إلى كليات الاقتصاد والاجتماع. لقد غيّرت الجامعات مسارات مستقبل النوابغ في تخصص معين إلى مسارات أخرى بعيدة كل البعد عن مجال النجاح الحقيقي الذي كان سيقطف ثمرته الطالب والمجتمع بسبب فوضى القبول.

سوف تدفع التنمية البشرية السعودية ثمناً باهظاً إذا ما تم الرضوخ لأصوات لا علاقة لها بالتنمية ولا تعرف أبجديات تخطيط الموارد البشرية، ولذلك أشد على يد هيئة تقويم التعليم والقائمين عليها برفض أي محاولة بالرجوع بنا وبمستقبل أبنائنا وبناتنا إلى حيث فوضى المستقبل.

كاتب سعودي