-A +A
منى المالكي
من الترف هذه الأيام أن تكتب بعيدا عن كورونا، من المستحيلات أن تنتقل بين قنوات التلفزيون ولا تداهمك أعداد وفيات ذلك الفايروس اللعين، من العبث محاولتك الخروج من اللهاث الدائم خلف إحصائيات منظمة الصحة العالمية لتطمئن روحك القلقة عن انخفاض لأعداد الوفيات في العالم فتصدم أن الأعداد في ازدياد وأن الانفراج قليلاً في الحظر سيعود كلياً كما بدأ أول مرة!

عندها تهرب سريعاً لتستنشق قليلاً من الهواء عبر نافذة صغيرة ولتكتشف أن لا شرفة في منزلك أي «بلكونة» تشرف على الشارع في الحي الذي تعيش فيه أو في الأحياء المجاورة، بل إن الكارثة عندما ترى أن هناك سواتر عالية تفصلنا عن بعضنا وكأننا تنبأنا منذ زمن بالتباعد!


عندما تتابع نشرات الأخبار العالمية وترى أناسا في قارات بعيدة عنك وهم في شرفاتهم يتبادلون الفن والموسيقى بجانب أحواض ورودهم وأزهارهم، يواسون بعضهم، فكل من يملك موهبة يعرضها ليستمتع الجميع بها لتمضي ساعات الحظر الطويلة المملة، فتجوب الفرق الموسيقية الشوارع ويخرج الناس إلى شرفاتهم ليشاركوا بعضهم البعض دقائق البهجة تلك، بينما نبقى نحن داخل قلاعنا الإسمنتية محاطين بالسواتر العازلة أو في مبانٍ كل ما يفصلك عن العالم نوافذ مغلقة فقط!

عندها تتساءل؛ هل كان تصميم مساكننا خالياً من الألفة إلى هذه الدرجة؟ لماذا كان التوجس والخوف من الآخرين من الجيران هاجساً وحاضراً بقوة حتى نغلق على أنفسنا فلا نبقي على شرفة نخرج منها للعالم؟!

سيتعلل البعض بأن الطقس لدينا حار ولا يسمح بمثل هذا الترف! ولكن هذا الغلق ليس وقفاً على مدننا ذات الصيف الحار بل هو ظاهرة حتى في تلك المدن رائعة الطقس والغنية بأنواع الورود والزهور والجمال، كلنا يعلم من المسؤول عن نشر الريبة بيننا ردحاً من الزمن!

ولكن هل سنتغير؟!

فقد أظهرت كورونا لنا الكثير وجعلتنا نهتم بالتفاصيل ربما لمنع التجول فضل في الرجوع لذواتنا وربما أيضاً أنها فرصة للتفكير حتى نخرج من هذه العزلة وقد أزلنا كل ما يبعدنا عن بعضنا لأننا علمنا وآمنا أيضاً أن الحياة هي نحن جميعا أما العزلة فهي الاستثناء الذي بتنا نتمنى الخلاص منه.

* كاتبة سعودية

monaalmaliki@