-A +A
محمد المطيري
الأخلاقيات الرياضية جزء من الأخلاقيات الإنسانية بالطبع، وارتقاء الرياضي ليس حكراً على المستوى الفني، فكثير من المبدعين رياضياً لم يجدوا احتراماً من الجماهير، بسبب افتقادهم للأخلاقيات الرياضية.

- لاعب منتخب إيرلندا ومانشستر يونايتد الإنجليزي «روي كين» مثال على اللاعب البلطجي سيئ السمعة داخل الملعب وخارجه. قصة الإيرلندي مع لاعب ليدز يونايتد «آلف هالاند»، الذي انتهى مشواره الرياضي بعد تعمد روي كين إصابته عندما تدخل بشكل وحشي على ركبته في الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2000-2001، هي إحدى القصص اللاأخلاقية في كرة القدم. لم يكتفِ كين بهذا، بل صرخ في وجه هالاند المتألم وقال له: «توقف عن التظاهر بالإصابة». وفي كتابه ذكر روي كين «هناك أشياء كثيرة ندمت عليها بحياتي، لكن تدخلي الخشن على آلف هالاند وإنهاء مسيرته ليس واحداً منها». وفي هذا السياق أتذكر بطل الفنون القتالية الإيرلندي كونور مكريغور الذي حقق بطولات كبرى في مجاله، كمثال للرياضي الذي يفتقد للأخلاقيات، جميع مؤتمرات هذا الملاكم قبل نزالاته تفتقد للمبادئ الإنسانية واحترام اختلاف اللون والعرق والدين لخصومه، فوصف الملاكم الأمريكي فلويد مايويذر بلفظ عنصري بسبب بشرته السوداء، واستهزأ بلباس زوجة الملاكم المسلم خبيب نورماغيدوف، عندما قال على حسابه بـ«تويتر»: «تبدو كالمنشفة»، واضعا صورة خبيب وزوجته بحفل زفافهما، وكانت زوجة خبيب ترتدي غطاء يغطي وجهها بالكامل، ثم حذف كونور التغريدة بعد استنكار المتابعين. في الرياضة قصص جميلة عن الأخلاقيات الإنسانية، أستذكر تكريم لاعبي كرة القدم ومن خدموا في المؤسسات الرياضية السعودية بكافة رياضاتها ومجالاتها، التي تعبر عن أخلاقيات تلك المؤسسات، مثل لاعبي كرة القدم ماجد عبدالله من النصر وسامي الجابر من الهلال اللذين كرّما من قبل نادييهما، وعميد الرياضيين السعوديين كابتن النادي الأهلي لكرة الطائرة اللاعب عبده يامي الذي أقيم له حفل اعتزال من قبل النادي الأهلي. وبالرغم من عدم وجوب تكريم اللاعبين الذين مثلوا هذه المؤسسات، إلا أن مؤسساتنا الرياضية تقدم مبدأ «التراحمية» على «التعاقدية». وأما على صعيد الأفراد فمحمد نور نموذج للرياضي الذي يتمتع بالأخلاق الإنسانية، إذ صرّح قبل فترة بأنه ينوي إنشاء جمعية خيرية في مكة المكرمة للمساهمة في خدمة المجتمع، استكمالاً لأعماله الخيرية التي لا يحبذ الحديث عنها دائما. سيبقى فتى مكة مثالاً يحتذى به في الأخلاقيات الإنسانية.


- خارجياً لا يزال بذهني موقف نادي فيورنتينا الإيطالي الأخلاقي تجاه لاعبه وقائده دافيد استوري الذي توفي مطلع 2018، حيث قررت إدارة الفريق تجديد عقد أستوري مدى الحياة وتخصيص راتبه الخاص لزوجته وابنته، في موقف ينمّ عن الوفاء من النادي للاعب الراحل.

-إذا تحدثنا عن الأخلاقيات في الرياضة فلابد من ذكر أيقونة الأخلاق في الساحرة المستديرة، عن الملك اليساندرو ديل بييرو أتحدث، الذي ضحى في 2006 بمسيرته وبقي مع ناديه يوفنتوس الذي تم تهبيطه للدرجة الثانية بعد فضيحة الكالتشيو بولي. استغلت الأندية الأوروبية هذا الظرف الصعب على اليوفي الذي عجز عن إقناع نجومه الذين غادروا السيدة العجوز، وتلقى ديل بييرو عروضاً ضخمة كبقية زملائه بالفريق، من قبل أندية مختلفة لعل نادي ريال مدريد أبرزها، الذي استقطب زميله فابيو كانافارو الفائز مع ديل بييرو بكأس العالم بذات السنة. جعل النادي الملكي «كانافارو» وسيطاً بينه و«ديل بييرو» من أجل التوقيع مع الأخير، اتصل كانافارو على ديل بييرو وتحدث قائلا: لست مقتنعاً بالخروج من يوفنتوس، لكن كما تعرف نادينا هبط للدرجة الثانية، وأنت الآن على متن سفينة غارقة، ليقاطعه اليساندرو ديل بييرو ورد بجملة شعر كانافارو بالخجل حينها، كما صرّح كانافارو، وكانت جملة ديل بييرو «القبطان آخر من يتخلى عن السفينة وأفضل الموت مع السفينة بدلا من التخلي عنها». موقف نبيل من ديل بييرو الذي بقي مع ناديه وسط تهافت الأندية للظفر بخدماته. ستبقى صفة الوفاء من صفات الأخلاقيات الإنسانية.

-في موسم 2007-2008 دخل كل من ديل بييرو وتريزيغيه مباراة سامبدوريا وفي رصيدهما 19 هدفا، سجل ديل بييرو لليوفنتوس ووصل للهدف 20، ثم تحصل على ضربة جزاء أهداها في لفتة جميلة لزميله تريزيغيه ليعادله ويسجل هدفه الـ20 أيضا. قمة الإيثار من اليساندرو ديل بييرو.

-مسؤولو نادي بايرن ميونخ الألماني مثال رائع في الأخلاقيات الرياضية. عندما مرَ نادي بروسيا دورتموند بضائقة مالية وأعلن النادي إفلاسه مطلع 2003، ساهم مسؤولو النادي البافاري مالياً، لعودة النادي الأصفر والأسود للنهوض مجدداً، كما صرّح أولي هونيس رئيس نادي بايرن ميونخ. وليست هي القصة الأخلاقية الوحيدة من مسؤولي بايرن ميونخ، ففي عام 2006 عندما هبط يوفنتوس الإيطالي للسيريا بي، وقعت كبريات الأندية الأوروبية مع نجوم اليوفي، حينها خرجت بعض وسائل الإعلام بنية بايرن ميونخ أخذ جزء من كعكة اليوفي، وكان رد نائب رئيس بايرن ميونخ السيد كارل هاينز رومينيغه أخلاقيا، حيث قال: «لن نشارك بتقطيع جثة يوفنتوس، هذه الصفقات مذاقها سيئ ولا تناسب قيم بايرن ميونخ». يا لهُ من تصريح عظيم.

-في 2014 بيب غوارديولا مدرب بايرن ميونخ صرّح بأنه سيلعب بالحارس مانويل نوير بمركز الوسط بعدما حسم العملاق البافاري البوندسليغا لصالحه، تدخل الرئيس كارل رومينيغه ومنع بيب من أن يلعب مانويل نوير بمركز الوسط، لأن ذلك الأمر فيه إهانة لأندية ألمانيا.

-لم تكتفِ مؤسسة بايرن ميونخ العريقة بهذا الحد من الأعمال الأخلاقية، ففي 2013 قرر النادي بناء مسجد لمسلمي ميونخ كخدمة اجتماعية لمكوّن اجتماعي في ألمانيا. ويعتبر هذا التصرف مثالا رائعا في التسامح الإنساني والديني من قبل عملاق بافاريا.

-النجاح الرياضي والأخلاقيات الرياضية خطان متوازيان لا يتقاطعان فيما بينهما، من يريد تخليد اسمه كرياضي ناجح عليه دعم مجهوده الرياضي بالأفعال الأخلاقية النبيلة.

‏mohamedh_00