-A +A
حمود أبو طالب
من المشاهد المدهشة غير المسبوقة في زمن كورونا احتفاء مجتمعات العالم بالكوادر الصحية كأبطال استثنائيين ورموز وطنية فدائية خاطرت بأرواحها لإنقاذ مرضى يحملون وباء قاتلاً. لن تغيب عن ذاكرة التأريخ المواكب الرسمية وهي ترافق مئات الأطباء والطواقم الصحية في الصين بعد خروج البلد من عنق الزجاجة وعودة الأبطال الى مدنهم، وكذلك وقوف الناس في الشرفات وهم يصفقون ويعزفون الموسيقى تحيةً لمرور أي سيارة تحمل شعار جهة صحية، أو أي شخص يرتدي زي الصحة. أهم شخص يقف هذه الأيام بجوار الرئيس ترمب هو الدكتور فاوشي، والرئيس ماكرون ذهب بنفسه ليزور الدكتور راؤول عالم الفيروسات واللقاحات. كل من يعمل في المجال الصحي أصبح أيقونةً خلال هذه الجائحة، لتستفيق الدول الى الصحة كقطاع لا تقل أهميته عن قطاع الأمن والجيش وغيرها من القطاعات الحيوية التي تحفظ سلامة الأوطان.

ولعل هذه الجائحة تدق ناقوساً قوياً ينبهنا إلى ضرورة السعي الحثيث للاكتفاء من الكوادر الوطنية في كل التخصصات الصحية وليس الطبية الإكلينيكية فقط. تخيلوا كيف لو لم يكن لدينا هذا العدد الكبير من الكوادر الصحية الأجنبية خلال هذه الأزمة، بل تخيلوا كيف لو كانت دولهم استدعتهم في ظل الضغط على كوادرها، وهم يمثلون النسبة الكبيرة لدينا.


لقد زاد عدد الكليات الصحية لدينا بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، ولكننا لم نصل الى أقل نسبة معقولة تضمن أن نكون بمأمن في الأزمات على الأقل، مع أن هذا مطلب وطني حيوي في كل الأوقات. ما زلنا في حاجة ماسة إلى أعداد كبيرة في كل فرع صحي، وما زلنا بحاجة أيضاً الى إعادة النظر في بعض الأنظمة الإدارية والمالية العقيمة التي تتعامل مع هذه الكوادر التي أصبحت عملة نادرة على المستوى العالمي. يصعب جداً على كل ذي عقل أن يستوعب وجود خريج كلية صحية عاطل عن العمل، بل إنها كوميديا سوداء عندما نسمع عن طبيب أو ممرضة أو أخصائي صحي في أي مجال يبحث عن وظيفة بعد فترة طويلة من تخرجه.

التصفيق لكوادرنا الصحية لا يكفي وحده، ثم ننساهم بعد زوال الأزمة. نريد أن نبدأ بعد زوالها في مشروع وطني حقيقي لضمان الأمن الصحي.

habutalib@hotmail.com