-A +A
أنمار مطاوع
فيما مضى، كان من به خفّة أو اعتلال في العقل والتفكير، يوضع تحت مراقبة أسرته بشكل مباشر ومستمر.. وأحيانا يحجرون عليه داخل المنزل.. خلف الجدران.. لا يراه أحد من المجتمع ولا حتى من الضيوف الذين يزورون أهله.

تغيّر الحال بعد ثورة الاتصال، تلك الشخصيات -ومثيلاتها- أصبحت تحمل جوالات تحتوي على تطبيقات تواصل اجتماعي، وبالتالي، أصبحت السيطرة عليها -أي الشخصيات- أمراً مستحيلاً.. فانطلقت من عزلتها وخرجت من جحرها لتصل إلى أماكن بعيدة وتقابل كل المجتمع. وبدل أن يبقى حديثها في ذمة الحيطان، أفصحت عن نفسها للملأ بشكل واضح ومباشر وصريح.. وبدأت مرحلة الانكشاف الكامل.


بعض تلك الشخصيات صار يتابعها مئات الآلاف وربما ملايين من الجمهور. ليس لجودة ما تقدمه، بل لمستوى ما تقدمه وتمارسه على العلن بلا حياء ولا خجل. هي لا تبدو في كامل منطقها وربما ليست في كامل عقلها، لهذا من الطبيعي أن تأتي تصرفاتها غريبة.. تلفت الأنظار؛ فالناس تتابع كل غريب.. وإن كان مبتذلاً.. أحياناً من باب الاتعاظ.. وأحياناً من باب الشماتة.. وأحياناً أخرى من باب التسلية -كالاستمتاع بمشاهدة فقرة البهلوانيين وممارسي الألعاب السحرية في السيرك-. الظهور اليومي هو أحد متطلبات تطبيقات التواصل الاجتماعي للمشاهير. بالتالي، تكثر الرسائل.. ومن كثُرت رسائله كثُر خطؤه. وفي منافسة الحصول على الإعجابات وعدد المشاهدات.. يكثر الابتذال -فكلٌ يجرّ النار إلى قُرصه- وفي نهاية كل لفّة، يحترق أحدهم.

هذه الشخصيات لا تخلو من الوقوع في الخطأ.. سواء بالظهور أو العبارات.. فمن يمشي في طريق مظلم، في أي وقت سيتعثر ويسقط.. سوف يخطئ لا محالة ولو بعد حين.. وربما هذا ما ينتظره الجمهور -لحظة الخطأ-. حينها لن تنفع الإعجابات ولا عدد المشاهدات.. سيضيق الحبل ويشتد الخناق تحت طائلة قانون الانضباط، فيعود بعض العقل ويعتذر المخطئ عما بدر منه.

المعضلة.. هي أن هذه الشخصيات لا تجيد فن الاعتذار. فالاعتذارات التي صدرت عن المخطئين في حق المجتمع وحق أنفسهم وحق البيئة التي حولهم.. كلها -بلا استثناء- اعتذارات لا تقل رداءة عن السلوك الذي صدر في الأصل.. هم يعرفون كيف يخطئون ولكنهم لا يعرفون كيف يعتذرون.

هذه السلوكيات لن تتوقف.. لأن أصحابها ما عادوا خلف الجدران.

* كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com