-A +A
مشعل العقيل
للحقيقة عين تبصر أيام الأزمات والمحن لتكشف الواقع، ومع وباء كورونا أبصرت عين الحقيقة واقع الصحة من قادة وممارسين وخدمات، فوجدنا إحساسا عاليا بالمسؤولية وجهودا متواصلة أذهلت البعيد قبل القريب، وتصدرت المشهد لنجدها ملاذنا بعد الله عند الشعور بالقلق والخوف، فنغمض أعيننا متيقنين بأن هنالك عيونا ساهرة لصحتنا، ولكل مهنة أهميتها ولها زمن تبرز فيه البطولات وهاهم الممارسون الصحيون يسطرون أروع الملاحم في مواجهتهم لعدو اجتاح العالم.

لم نصل إلى ما نحن عليه من خدمات وكفاءات طبية من فراغ، فقد كان الوعي من سنين طويلة بأن الاستثمار في الصحة من أهم الاستثمارات الوطنية، فقد أنشئت العديد من الكليات الطبية وزودت بأفضل المعلمين والمعامل، وتلتها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي أصبحت نموذجا يحتذى بها وببرامجها ويستفاد من خبراتها في الشرق الأوسط، واستحوذت التخصصات الطبية على نصيب الأسد من مقاعد الابتعاث الى أعرق الجامعات والمستشفيات العالمية، فتكونت ثروة طبية بشرية نقطف ثمار علمها وخبرتها ومهارتها من خلال الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، لتنعكس البوصلة ونصبح مقصد العديد من الدول للعلاج، ونجد أسماء سطرت نجاحاتها في المحافل العلمية العالمية.


ومع أزمة كورونا نخشى على هذه الثروة البشرية، خصوصا ونحن نرى إحصائيات لدراسات حديثة أجريت في مدينة ووهان بالصين على أكثر من 1200 شخص من الأطباء والتمريض، ووجدت بأنهم كانوا أكثر عرضة للاكتئاب والقلق والأرق والضغوطات النفسية من الآخرين خلال فترة انتشار الوباء، وأرى العديد من الزملاء قد ترك منزله وعائلته وانتقل لسكن بعيدا عن أهله خوفا عليهم من العدوى، وهنالك من طلب من زوجته الانتقال إلى أهلها مع أطفاله خلال الأسابيع القادمة، وغير ذلك من الصعوبات التي يعيشونها مع ساعات العمل الطويلة ومحاولة السيطرة على مشاعرهم للظهور بالهدوء الذي يستمد منه مريضهم الطمأنينة، وتزداد أهمية الاهتمام بالجانب النفسي والاجتماعي لديهم إذا ما علمنا بأن الضغوط النفسية تؤثر على جودة أدائهم البطولي وإنتاجيتهم وقدرتهم على التركيز في عملهم.

تعكف العديد من الجهات الحكومية للبدء ببرامج دعم ورعاية نفسية للممارسين الصحيين كجزء من واجبها تجاه أبطال الميدان الطبي، الذي أصبح في معركة لمواجهة الوباء ولحماية المواطنين من أضراره وعلاجهم، نستشعر روح البطولة لديهم عندما نعلم بأن من أكبر مخاوفهم هو نقل العدوى لمحبيهم ومن أسوأ أحزانهم عندما يعجزون عن مساعدة مريضهم ومن أسعد لحظاتهم عندما يستشعرون قوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) بعد إنقاذهم لمريض، وللمجتمع دور كبير وفعال في دعمهم النفسي والاجتماعي بتقديرهم وشكرهم والامتنان لصنيعهم وحمايتهم من كل من يسيء لهم ولخدماتهم.

حفظ الله أبطالنا وثرواتنا من كل شر.

alaqeelme@