-A +A
أسامة يماني
مكة بيت الله تتجه له الأبصار وتهفو إليه القلوب، ويتطلع لزيارته القريب والبعيد تصديقاً لدعوة إبراهيم: «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ».

مكة المُكرمة والمدينة المُنورة تجمعان المسلمين على مختلف مذاهبهم وطوائفهم، ويتطلع لزيارتهما مئات الملايين من البشر بمختلف ألوانهم وأجناسهم وأنواعهم وثقافاتهم.


هذه القوة الجاذبة في هاتين المدينتين دينياً واقتصادياً وثقافياً يخاف منها أعداء هذه البلاد، الذين يُريدون أن نشتغل عنها بالخلافات المذهبية والطائفية. وهم يسعون دائماً إلى التركيز على الخلافات بدلاً من التركيز على نقاط الاتفاق.

إنني أقترح أن تكون مكة المُكرمة والمدينة المُنورة مدينتين بعيدتين عن الطائفية أو المذهبية، وذلك لإضافة مزيد من الزخم والريادة والقيادة بدون منازع لهذه القوة الناعمة التي تنعم بها هاتان المدينتان السعوديتان المقدستان. ومن موقع كون المملكة العربية السعودية القيادة الحقيقية للعالم الإسلامي، انطلاقاً من رعايتها للحرمين الشريفين وخدمتهما.

لكي نُحقق هذا الهدف أرى دعوة كل القيادات الدينية في العالم لمكة المُكرمة لمؤتمر يناقش أفضل وسيلة لجعل هاتين المدينتين عامل اجتماع للأمة الإسلامية. والقيام بحملة إعلامية بإشراف وزارة الحج، وعمل برامج سياحية إسلامية ثقافية تدعو للتسامح عملاً بقوله تعالى: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا».

وكذلك الدعوة لإيجاد سوق مكة الإسلامي ليلتقي فيه جميع المسلمين ويكون مفتوحاً لكل منتجات الدول المسلمة، ولكل الجاليات المُسلمة، بهدف تشجيع الإنتاج والابتكار والرزق الحلال طوال العام وعلى مختلف الفصول. كما يُساعد المجتمعات والأقليات لتسويق منتجاتها وتطويرها والدعاية لها والتعريف بها.

البرامج الثقافية والفنون الإسلامية والموسيقى التراثية من المهم أن يكون لها نصيب في سوق مكة الكبير، كما كانت متواجدة في عكاظ ومنى وعرفات في صدر الإسلام.

مكة والمدينة لهما قدر كبير عبر العصور على جمع المسلمين بمختلف طوائفهم ومشاربهم ومذاهبهم.

هذه دعوة لتعظيم وغرس وخلق التسامح وجعله مبدأ وقيمة إنسانية عظيمة لما تحمله في ثناياها من معانٍ نبيلة وثمينة فهي في حقيقتها احترامٌ تبادليٌّ بين الأفرادِ والآراء، وإظهار اللطف والأدب فيما يُعبِّر عنه الآخرون لفظيّاً أو سلوكيّاً، مهما كان مستواه صحيحاً كان أم خاطئاً.

التسامح زينة الفضائل، يتربع على عرش القيم، يُقرب بين البشر، ويُنمي العلاقات الإنسانية ويُقوي ويُوطد المودة والتعاطف بين الناس.

كل ذلك يمكن تحقيقه من خلال مكة تجمعنا، التي نجتمع فيها ونقبل التباين ونحترمه ونبني مستقبلاً باهراً، وعلاقات مُثمرة، وتواصلاً مستمراً في كل الجوانب الإنسانية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية.

الأوقاف الإسلامية في مكة والمدينة ينبغي إحياؤها وتطويرها وربطها بمقاصد أصحابها في ضوء الأفكار الكبرى التي تهدف لتوظيف مصادر القوى لهاتين المدينتين المقدستين، ووسيلة من وسائل نشر مفهوم التسامح وتطبيقه عملياً. إلى مكة تجمعنا.

* كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com