-A +A
مي خالد
لأنني روائية أصادف الكثير من الأشخاص الذين يقترحون علي كتابة قصة حياتهم!

أصبحت أعرف هؤلاء الأشخاص منذ أول التعارف، على وجوههم «شظف العيش» يبدو الحزن كما لو كانت الحاسة السادسة في رؤوسهم، ولم يخب تصوري عنهم إلا نادرا.


لا أفهم لماذا يظن بعضنا أن سيرته الذاتية قد تهم القارئ.

السبب الوحيد لهذا الوهم والرابط المشترك بين هؤلاء هو أنهم نجحوا في ظروف قاسية.

بعد أسبوع أو أسبوعين من التعارف تقترب مني إحداهن مقترحة سماع قصة حياتها فربما ألهمتني ووجدت فيها مادة للكتابة. ولأنني مستمعة جيدة وأحاول أن أهتم بمشاعر الناس ما أمكن، استمعت لعشرات القصص القاسية.

هي قصص قاسية ليس لأن الحياة قاسية فعلا بل لأننا نتعامل مع أنفسنا والآخرين بعنف وقسوة ونحاكم ذواتنا والآخرين ونعلق لأنفسنا حبل المشانق أحيانا.

لا بأس فلتلاحقوا أحلامكم وتكونوا أبطالا في قصص نجاحكم، لكن كونوا لطفاء مع أرواحكم. ذكّروا أنفسكم كل صباح وأنتم تفيقون على رنات المنبه المزعجة وتهمون بمغادرة أسرتكم الدافئة لملاحقة وظائفكم وطموحاتكم وتخليص العالم من خرابه وحسابكم البنكي من الإفلاس أن تكونوا لطفاء هذا اليوم، وعوضا عن التخويف ووهم السيطرة كونوا رفقاء ولطيفين بمن حولكم.

ليس من الصعب أن تكافح أو تنجح بل الصعب هو أن تبسط حياتك وتفكك تعقيدها بإتقان يقودك للنجاح، وأن تسامح نفسك وتتسامح مع أخطاء الآخرين ثم تصححها.

بطبيعة الحياة تجنح بنا نحو القسوة وتدفعنا باتجاه العنف لأنها خيارات سهلة يساهم فيها ارتفاع وتيرة الغضب أمام العجز والخطأ، لكن الحياة في جوهرها ليست قاسية ولا عنيفة.

الناجح حقا ومن يريد أن يكتب سيرته الذاتية فيود الناس قراءتها هو من يدرك جوهر الحياة ومعناها، ما هي حياة أحدنا إلا خزين ذاكرته من الأيام اللطيفة ومن بقي من أوفياء الماضي ورفقاء السلاح.