-A +A
هاني الظاهري
تغولت البنوك التجارية طوال السنوات الماضية على المدينين المتعثرين بسبب إفلاس أو فقدان وظيفة مستغلة رخاوة بعض الأنظمة لتوظيف الأجهزة الحكومية وموارد الدولة لخدمتها، إذ كانت تعمل على إيقاف خدمات المدين المتعثر والزج به في السجن لتصرف عليه الدولة مأكلاً ومشرباً على حسابها وربما تضررت أسرته وصُرفت لها أموال من الضمان أو الجمعيات الخيرية، وكل ذلك من أجل عين البنك التجاري الذي يفترض أن يتحمل نتيجة قراراته في الإقراض ويكون لديه نسبة مخاطر لا يشاركه فيها أحد.

اليوم انتهت مسألة السجن وما صاحبها من تغول البنوك بالتعديلات التي أقرتها وزارة العدل على نظام التنفيذ إذ لا يُسجن من يقل دينه للبنك عن مليون ريال (كما علمت)، وحتى في حال إيقاف خدمات المدين يُسمح له بالسحب من راتبه إن كان له راتب وهذه خطوة جيدة تستحق وزارة العدل عليها كل الشكر لكن المأمول أكثر.


في دول العالم المتقدم تتحمل البنوك وحدها مسؤولية قراراتها في تمويل الأفراد، وفي حال وجود نزاع مالي بين البنك والعميل المتعثر يمكن للأخير إشعار الجهات المختصة بإفلاسه أو عدم قدرته على السداد ويحصل خلال يوم أو يومين على وثيقة تثبت إفلاسه، وهذا أمر يجعل البنك يتحمل مسؤوليته الكاملة تجاه قراره بالتمويل، إذ عليه أخذ الضمانات المناسبة عند اتخاذه القرار فأجهزة الدولة الأمنية وسجونها لاتعمل عند البنوك وليست مسؤولة عن سعارها في الحصول على فوائد التمويل دون حساب المخاطر.

اليوم معلومات المواطن وأرصدته وممتلكاته مكشوفة إلكترونيا للجهات المختصة وبضغطة زر يمكن لوزارة العدل في السعودية معرفة إن كان المقترض قادراً على السداد أو متعثراً بسبب عجز مالي أو نحوه وبالتالي بات من المهم إصدار قرار بعدم إيقاف خدمات أي مدين ليس لديه القدرة على السداد إذا كان خصمه بنكاً تجارياً، ويكتفى بمنحه وثيقة تثبت عدم قدرته على السداد خلال 48 ساعة بحد أقصى بحيث يمنع سجن أي مدين لبنك مهما بلغ دينه، وعلى البنوك أن تتحمل مسؤوليتها وتتفاوض مع المواطن المدين بشكل خاص ولائق ومحترم لتحصيل ما يمكنه تحصيله منه للخروج بأقل خسارة من المعاملة التي تورطت فيها نتيجة عدم حسابها للمخاطر المترتبة على التمويل.

لقد انتهى زمن تغول البنوك التجارية على المدينين المتعثرين في السداد، وانتهى زمن تشدق بعض كبار تنفيذييها بأنها سلطة فوق السلطة وأنها قادرة على تسخير كل الأجهزة لخدمتها، وبقي أن تُمنع من التجسس على المواطنين عبر «سمة» وغيرها وتمنع من وضعهم على قوائم تُعتبر تشهيراً بالمواطنين وتشويهاً لسمعتهم، و«التشهير» كما هو معروف عقوبة نظامية ليس من حق أحد إصدارها إلا القضاء وحده، وهذا ما يجب أن يعرفه الجميع.

* كاتب سعودي

Hani_DH@