-A +A
علي بن محمد الرباعي
يرتبط الإصلاح السياسي والاقتصادي بتغير النمط المعيشي للفرد والمجتمع. يتمخّض عنه شيء من التقشف يصل أحياناً إلى حدّ الشدة في القرارات وربما القسوة التي يعبّر عنها المقاصديون بالمفسدة المترتب عليها مصلحة.

ليس هناك دولة تكره شعبها. ولا حكومة تتعمد الإساءة لمواطنيها، إلا أن هناك ظروفاً قاهرة ومنعطفات حرجة تستدعي التدخل الحاسم السريع، وإجراء عمليات جراحية تصل العظم. على طريقة (فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً ** فليقس أحياناً على من يرحمُ).


أفسدت الوفرة والطفرات شعوباً بأسرها. وغدت تعيش على مقولة (عيّشني اليوم وموّتني بكرة). وهذا القول الاستهلاكي لا ينسجم مع منطق (واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا) بل عيّشنا اليوم وبكرة وبعده.

رسم ولي العهد ملامح التحولات قبل أن تباشر الجهات الخدمية تحصيل الرسوم الجديدة وفرض مقابل نسبي. ووضعنا أمام أمر واقع. ما استدعى شرحاً وافياً من الوزراء والمختصين عما سنكون عليه فكانت الصورة واضحة أو قريبة من الوضوح.

الإصلاح يعني الانضباط. في الحكومة وفي الشعب. وبه سرعان ما يتم تفادي الخسائر وتلافي الانهيارات وتصحيح الأوضاع. وانضباط الحكومة بالاجتهاد في عدم المساس بالضرورات وانضباط الشعب في الصبر عن الحاجيات والتقليل أو الاستغناء عن الكماليات، والدول الكبرى في العالم تمر بإصلاحات يومية.

عندما تبدأ القيادات في تحمل الأعباء مع بقية المكونات وتضغط مصروفاتها وتلغي مظاهر البذخ والإسراف فهي تقدم نفسها نموذجاً وفي أمثالنا (ما ظلمك من ساواك بنفسه) والإصلاح ليس الغاية منه مالية فقط بل حتى سلوكية.

إذا أخذ البعض بمقولة ابن خلدون بأن الدول مثل البشر تشب وتشيخ وتهرم. فنحن نقول يمكن للدول أن تستمر في تمتعها بروح الشباب والحيوية عبر التجدد من داخلها. واعتماد أنظمة صارمة تمخر بها عباب المتاعب. وقمع أي مظهر من مظاهر الفساد الذي هو السبب المباشر للشيخوخة.

قوة الاقتصاد لا تعني وفرة الدراهم في جيوب المواطنين بل في كون خزينة الدولة آمنة، والدين العام متراجعاً، والناتج المحلي في تنامٍ، والقانون مطبقاً على الجميع، وذروة الإصلاح أن نكون روحاً متقدة وصفاً واحداً.