-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الثورة المعلوماتية والتقنية المتسارعة وتغير أنماط الحياة والخارطة الاقتصادية للعالم، بابتكارات عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي القادم بقوة وتستثمر فيه المملكة بمشاريع طموحة، هذا هو التحدي على أرض الواقع أمام جامعاتنا.

مسؤولو وخبراء التعليم والشركات العالمية، يستشعرون حجم التحدي في بناء العقول البشرية بقاعات الجامعات خاصة الكليات التطبيقية التي تحولت في النماذج المتقدمة إلى ما يمكن اعتباره مناطق حرة للأفكار المتميزة والإبداع في فضاء العلم والابتكارات بالغة التطور.


جامعاتنا جزء من هذا التحدي المتمثل في المسافة بين الواقع المطلوب تغييره، وبين التطوير المنشود نحو مستقبل بات يقاس بأجيال التقنية وابتكارات العقل البشري.. ولهذا واستجابة لرؤية المملكة 2030 في ما يخص التعليم الجامعي والعالي عامة، تحولت وزارة التعليم خلال الأشهر الأخيرة إلى ورش عمل وفضاء طموح لصياغة مستقبل الجامعات المنشود، من خلال نظامها الجديد الذي أقره مجلس الوزراء، بما منحه لها من استقلالية واسعة، ذات أهداف وآليات واضحة تمكن كل جامعة من تجديد وبلورة رؤيتها الخاصة لقواعدها الإدارية ولوائحها المالية وتنمية مصادر مواردها وإقرار تخصصات كلياتها وفق الاحتياجات التنموية وسوق العمل بمنطقتها، وسيبدأ النظام الجديد بثلاث جامعات في المرحلة الأولى.

من هنا فإن الوزارة ومسؤوليها وفي مقدمتهم معالي الوزير الدكتور حمد آل الشيخ الأكاديمى المتمرس، في حالة من الاهتمام المتصل والتواصل مع الجامعات بالأفكار والطروحات والدعم لإنجاح هذه الانطلاقة، فيما يبدو جليا إسنادا كاملا للتطوير المستهدف الى تعليم عال عالمى المستوى.

معالجة شؤون القبول وإعادة هيكلة التخصصات هو التحدي الأكبر والهدف المتقدم الذي يعالج إشكاليات كثيرة متعلقة بالمخرجات، ودليل ذلك أننا نتحدث عادة ودائما عن واقع البطالة، والحقيقية أنها وإن بدت لنا في سوق عمل المتغير بدوره، إلا أن جذورها ومسارها غير الصحيح تكمن في واقع التخصصات الجامعية غير المطلوبة، وهي للأسف الأكثر في أعداد الكليات والدارسين ومن ثم الخريجين من الجنسين.

التحدي أيضا يكمن في واقع التوسع الجامعي بنفس التخصصات النظرية وفي متوسط القبول الذي يصل إلى نحو 14 ألف طالب وطالبة سنويا، وهو معدل يتجاوز المعيار العالمي، وإذا أردنا المحصلة الأكبر للتحدي سنجد أن بعض جامعاتنا الكبرى بفروعها انتظاما وانتسابا، تصل أعداد الدارسين بها إلى 100 ألف طالب وطالبة، معظمهم في تخصصات نظرية لا تتوافق مع سوق العمل وتخالف السياق العام لتطوره.

مطلوب استراتيجية شاملة تعطي ثمارها خلال عقد زمني، وخطة قصيرة المدى تلتزم بها الجامعات لإعادة هيكلة التخصصات، وتحاسب عليها إذا أخلّت بمسار التنمية البشرية، فلا معنى اليوم لاستمرار نفس التخصصات النظرية في جامعاتنا دون ترشيد، بينما التنمية المستدامة التي انطلقت تتطلب تخصصات جديدة وزيادة الاستيعاب بها بتهيئة بنيتها التعليمية من التجهيزات الأساسية والكوادر البشرية، وخلق بيئة ابتكارية متقدمة تركز على القدرات بفروقاتها الفردية للطلاب والطالبات، أي بناء العقل المبدع المبتكر، وليس التلقين الجماعي لمجرد شهادة التخرج.

الثورة التقنية باتت تفرض على كثير من الشركات الكبرى في العالم ونحن منه، تطوير أنشطتها ومهام مسؤوليها لمواكبة الاقتصاد المتغير، وسوق العمل يتطلب توفير مهارات وقدرات عالية من الخريجين والخريجات، وهذا مكمن التحدي في المرحلة القادمة التي يجب أن تدخلها جامعاتنا بروح العصر وبدون فائض التخصصات غير المطلوبة، إنما الإسراع في تطويع التخصصات الجديدة وهي عديدة ومتزايدة وليست بالقليلة كما كان.. والحديث موصول عن مستقبل التعليم.