الشعور بالإحباط ــ وربما شيء من الغضب ــ هو سيد الموقف اليوم حول ما تعانيه الكثير من النساء من عنف وظلم وجور وتعسف من بعض أولياء الأمور. وبرغم ذلك الإحباط والغضب، أو لعله بسبب ذلك الوضع المتأزم، انطلقت مبادرتان مهمتان للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة والتي أصبحت مخيفة ومقلقة في تسارعها وزيادة نسبتها. المبادرة الأولى هي مبادرة «الشريط الأبيض» والتي تهدف إلى التصدي لظاهرة العنف الأسري والمجتمعي، وإطلاق وثيقة « إعلان مبادئ » لتفعيل دور الرجل في مناصرة قضايا المرأة، والحد من العنف ضدها. أما المبادرة الثانية فكانت بعنوان « وما خفي كان أعظم» أطلقتها مؤسسة الملك خالد الخيرية عبر موقعها الرسمي في مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر )، وهي أول حملة للمطالبة بإيقاف العنف ضد النساء تحت مسمى هاشتاق «ما خفي كان أعظم». وقد اختارت المؤسسة صورة لامرأة منقبة تتضح عليها آثار التعذيب، وكتب عليها «ما خفي كان أعظم» للدلالة على الآثار الجسدية للممارسات التي تتعرض لها بعض سيدات المجتمع.
لا نحتاج لجرس إنذار أشد مما تقوله الأرقام وكثرة ما تشهده أروقة المحاكم من حالات تتعرض فيها المرأة للعنف والظلم ولا تجد من ينصفها أو يأخذ بيدها. جريدة المدينة نشرت خبرا عن حالات العنف التي تتعرض لها النساء، حيث رصد مكتب جمعية حقوق الإنسان في المدينة المنورة على سبيل المثال الكثير من الشكاوى التي تتعلق بالأسرة، وتتصدر قضايا العنف الأسري، وخاصة العنف الموجه إلى النساء والأطفال، وحق الحماية من التعسف والتعذيب والحرمان أعلى نسبة في تلك القضايا الأسرية. وغالبية الشكاوى، كما تقول المشرفة على المركز : « تأتي من زوجات انتهك حقهن في الحياة الكريمة الآمنة وتعرضن للعنف بالضرب المبرح، الذي وصل في بعض الحالات إلى الكسور وإسالة الدم وحلق الشعر والعض والجلد بالعصا والحبس، والمساومة بحضانة الأبناء في حال تقدمن بطلب الانفصال، وأيضا حرمان الأم من حقها في حضانة أو رؤية أبنائها حتى وإن حصلت على حكم بذلك».
ومن المؤسف أن يتصدى الأمين العام لرابطة علماء المسلمين لهذه المبادرات بالنقد والتشكيك متهما إياها بالتغريب ومحاولة إفساد المرأة. كان جميلا أن يدعو الأمين العام إلى تبني مبادرات بديلة بالطرق الشرعية ولكن يعلم الأمين العام بكل تأكيد أن الشرع لا يقبل الظلم على المرأة بأي صورة كانت. ويعلم الأمين العام أن الشرع الحنيف يضمن كرامة المرأة وحقوقها بعيدة عن الذل والإذلال الذي تلقاه على يد ولي أمرها ولا تجد قوانين تنصفها. ويعلم الأمين العام كذلك أن الشرع الحنيف يبارك كل خطوة من شأنها إنقاذ زوجة من عبث زوج يلقي بها في الشارع ولا يقيم وزنا لأطفاله وصحتهم البدنية والنفسية. كما يعلم الأمين العام ــ وبينما نحن ننتظر قوانين تحمي المرأة من أن تجد نفسها على قارعة الطريق دون مأوى ــ بأن الشرع الحنيف يلزمنا جميعا ألا نسكت عما يجري حولنا ولا نصم آذاننا عن مآسي أطفال تخلى عنهم الآباء وزوجات أجبرن على العودة لأزواج يمارسون كل أصناف التعذيب ضدهن. وما قصة «المريمتين» عنا ببعيدة. مريم الأولى فتاة تاهت بين الشرطة والمحاكم لإثبات نسبها لأبيها السعودي الذي رماها منذ ولادتها، ومريم الثانية الموظفة التي سجنت لأنها رفضت الرجوع لزوجها المدمن على المخدرات..
نحن لا نختلف على تفشي ظاهرة العنف بشكل مؤلم ومثير للقلق، ولا نناقش قضية العنف ولا المبادرات التي يطلقها الأفراد والمؤسسات إلا باعتبارها عودة للشرع الذي لا يقبل إهانة المرأة وهدر كرامتها. نحن في حاجة إلى قوانين واضحة وصارمة وملزمة في المحاكم ودوائر الشرطة تعالج قضية العنف بشكل عملي لا مجرد وعود براقة وأحلام وردية ونزاعات بين التغريب والتشريق والتشريع. نحن بحاجة لمدونة للأحوال الشخصية لا يختلف عليها «تغريبي» ولا «تشريقي» . نحن بحاجة لقوانين حماية الزوجة من الزوج المعنف والتي لم تر النور بعد، وقوانين حماية الأطفال من التحرش والتي لازالت حبرا على ورق، وقوانين زواج القاصرات والتي ما برحت تحت الدراسة. إن أي حديث عن القوانين الغائبة يفقد معناه، ويستحيل الأمل بحياة كريمة للمرأة بعيدة عن العنف والعضل والتحرش، إلى حلم أصبح كابوسا من فرط الانتظار.
akashgary@gmail.com
أخبار ذات صلة