يقولون في الأمثال: السكوت علامة الرضا، أي أنك لو سمعت عن شيء أو رأيته ولم تعترض على ما به من عيب أو خلل، أو تشيد بما فيه من حسنِ استقامة، فأنت في كلتا الحالتين راضٍ عنه. ولو صدق هذا المثل على ما سأورده في سطوري هذه فتلك مصيبة كبرى بحق، فقد أقدم القِس الإنجيلي النصراني الأمريكي تيري جونز ــ للمرة الثانية ــ على حرق نسخ من المصحف الشريف، احتجاجا على اعتقال النصراني يوسف نادرخاني في إيران، وقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن عملية حرق المصحف لم تحظ بتغطية إعلامية تذكر في الولايات المتحدة، وهذا يعني أن: السكوت علامة الرضا.
وجدير بالذكر أن هذا القِس النصراني جونز كان قد أشرف على حرق نسخة من المصحف خلال محاكمة صورية للإسلام في شهر مارس من العام الماضي، وهو ما أدانه ــ وقتها ــ الرئيس الأمريكي، الذي لم يحرك ساكنا هذه المرة، وهذا يعني أيضا أن: السكوت علامة الرضا.
في المرة السابقة، أثارت عملية حرق المصحف ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي، تراوحت بين الاستنكار والتنديد، وهو ما نجيده في عالمنا، باستثناء رد فعل غاضب اتخذ شكلا عمليا، حينما وقع هجوم أفغاني على مقر للأمم المتحدة في أفغانستان، أسقط عددا من القتلى، لكننا في هذه المرة، لم نجد حتى ما كنا نقدمه من تنديد واستنكار، ولم تنشر معظم الصحف العربية الخبر، والتي ذكرته جاء منها على استحياء، ربما خوفا من اتهامها بالتحريض والإرهاب، وربما نفاقا للنصارى الذين يعيشون بين المسلمين، ويتمتعون بالإعارات والعقود المجزية والاغتراف من خيرات الدول الإسلامية، وهذا يعني كذلك أن: السكوت علامة الرضا.
لم تقدم أية دولة عربية أو إسلامية احتجاجا رسميا للحكومة الأمريكية التي تزعم احترامها للأديان والعقائد، وهذا يعني ضمن ما يعني أن: السكوت علامة الرضا.
حتى الشعوب العربية التي نعقد عليها الآمال دائما في حماية هذا الدين الذي نزل بلغتهم وعلى أرضهم، ظلت في سبات عميق، ولا تبرير لذلك عندي سوى أن: السكوت علامة الرضا.
فالأمريكيون راضون، والعالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، بقادته وشعوبه ووسائل إعلامه، راضون عما حدث من اعتداء سافر على المصحف الشريف.
هذا «الرضا» الواقع في غير محله، يأتي في نفس اللحظات التي تتوتر فيها العلاقات بين بلدين شقيقين لمجرد إشاعة تتعلق بمواطن واحد، وكأن شخصا واحدا ــ بغض النظر عن ملابسات قضيته ــ هو محرك أكبر للغيرة والهياج والاعتداء، من كتاب الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فليسأل كل منا نفسه: ماذا يقول لربه حين يسأل عما فعله تجاه هذا العمل الإجرامي؟.. هل نقول لربنا لقد صمتنا، صمت آذاننا، وعميت أعيننا، وخرست ألسنتنا، وشلت أيدينا، ونضب بترولنا، وجمدت ودائعنا وملياراتنا، لنظهر للعالم أننا نحن المسلمون أصحاب سماحة وعفو وغفران؟ ألم نقرأ قوله تعالى: «ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»، وقوله تعالى: «وجزاء سيئة سيئة مثلها» ؟! نعم، هناك عفو وإحسان..
ولكن هذا فيما يتعلق بحقوق العباد فيما بينهم، لكن حين يكون الاعتداء والتجاوز والبغي على دين الله، وكتاب الله ورسول الله، فلا عفو ولا إحسان..
لقد استبرأت لديني بهذه الكلمات، فلا أملك إلا القلم، وسكوت الأقلام العربية والإسلامية عن الرد، هو أيضا علامة للرضا، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
dr.rasheed17@gmail.com