كان كل شيء في جبال الحشر ببني مالك في منطقة جازان في ذلك الوقت المتأخر من الليل ساكنا فلا حركة سوى الصمت، وخلف جدران البيوت الساكتة لم يكن أي أحد من الأهالي يدري ان في الشوارع الصامتة ثمة جريمة قتل بشعة.. جريمة ارتكبها الجاني حيث قتل الضحية بالرصاص وفر في جنح الظلام وترك جثة القتيل غارقة في دمائها يلفها الصمت.

اطلق رجل مسن آهة من اعماقه اثناء خروجه من المسجد في جبل الحشر ببني مالك في منطقة جازان بعد ادائه صلاة الفجر حينما شاهد جثة مضرجة بالدماء ملقاةعلى قارعة الطريق ورغم ان الشوارع كانت في تلك اللحظة نائمة ولا حركة فيها سوى وشوشة الريح في الاشجار القريبة من مسرح الجريمة الا ان صدى الجثة انتشر بسرعة قياسية وخلال لحظات شهد الموقع حضور عدد من المصلين والاهالي.

وكانت الدهشة قد شرخت اعصاب الجميع حينما اكتشفوا ان القتيل هو الشاب «بدر ، ح» والذي لا يتجاوز عمره «20» عاماً. وعندها بدأت الاسئلة تتطاير من القاتل؟ ولماذا نفذ جريمته؟ وماهي اسباب حدوثها؟ وقبل ان تبرد حرارة الاسئلة كانت الجهات الامنية قد حضرت الى مسرح الجريمة وقامت بأخذ البصمات ثم بدأت تحريات مكثفة لالقاء القبض على الجاني.

صراخ وعويل

وفي الوقت الذي تحول فيه منزل اسرة القتيل الى صراخ وعويل وصدمة في الوجوه والتي لم تكن مصدقة لما حدث فقد تم التعرف على الجاني وضبط وبحوزته المسدس الذي استخدمه.

مسرح الجريمة

الجريمة وقعت بجوار مدرسة ابتدائية للبنات حيث صوب الجاني رصاصة من الخلف تجاه القتيل فصرعته على الفور وتركه مضرجاً في دمائه ولاذ بالفرار من الموقع.

واثناء المعاينة قامت الجهات الامنية بمعاينة الجثة و بتطويق الموقع وتم اغلاق كافة المنافذ ضمن الاجراءات الروتينية في مثل هذه الحالات لمحاصرة الجاني.

سيناريو الدماء

يقول جابر شاهر وهو يحاول استعادة المشهد من ذاكرته انه عقب خروجه من المسجد مباشرة بعد ادائه صلاة الفجر شاهد جثة القتيل ملقاة على الارض وهو يعرف الشاب (بدر ) وبدأ يتساءل في نفسه ترى من قام بتلك الجريمة بحق شاب معروف عنه استقامته وسط الجميع.

وقال شعوبي مفرح الحريصي إنه من الذين شاهدوا القتيل وهو مضرج بدمائه وذلك اثر طلقة نارية صوبت اليه من الخلف. واضاف ان القتيل من الشباب المسالمين ولم تكن له اية مشكلة مع احد كما انه يتصف بالاخلاق الرفيعة وفي ذات السياق قال مدير مدرسة المقبورة المتوسطة والثانوية مسفر سالم ان الجريمة ارتكبت فجراً حسب ما جاء في الحيثيات مشيراً الى انه سبق وان كرر تحذيراته من عدم ترك الابناء يجوبون الشوارع حتى ساعات متأخرة من الليل لما يشكل ذلك من خطورة عليهم.

حزن عارم

في منزل القتيل كانت ملامح والده واخوته تنبئ بالحزن حيث قال والده والذي بدأ متماسكاً ان جريمة مقتل ابنه هزت جميع افراد الاسرة مشيراً الى ان ابنه القتيل هو الثاني بين اخوته وقد كان محبوباً من جميع افراد العائلة.

وكان بدر يعتزم الذهاب الى خميس مشيط لاجراء مقابلة على وظيفة هناك ولكن القدر كان اسرع وتابع بعد يومين من حدوث الجريمة قمت بالبحث عن الطلقات الفارغة التي اردته قتيلاً فوجدتها تبعد عن موقع الجثة بحوالي «10» امتار واضاف ان اخوته لم يتحملوا مشهد الجثة وهي ملقاة على الارض فغرقوا في موجة من البكاء..وأضاف والد القتيل ان ابنه تأخر في ليلة الجريمة عن المنزل وكان الجميع منشغلين عليه وعندما تم ابلاغنا بالعثور على جثته في الموقع الذي يسمى بـ «نيد الوصاد» نزل الخبر على الجميع مثل الصاعقة وتحول المنزل الى بكاء وصراخ.. بكاء يقطع نياط القلوب.

وقال كل من عبدالرحمن ومحمد اخوة القتيل لماذا اقدم القاتل على ارتكاب جريمته تلك؟ مشيرين الى ان الجاني سوف يلقى عقابه الشرعي جزاء فعلته تلك.

ومن جانبه قال جابر الحريصي عم القتيل الذي كان متأثراً ان ابن اخيه كان من الشباب ذوي السمعة الطيبة في جميع جبال الحشر.

وقال مفرح احمد من اعيان الجبل ان الحادث المأساوي هز مشاعر جميع ارجاء المنطقة وقال عبدالعزيز قاضي احد المعلمين القدامى الذين قاموا بتدريس القتيل ان مقتل الشاب بدر يعتبر جريمة غريبة على مجتمع جبل الحشر ولم تكن متوقعة ان تحدث بهذا الوضع.

وقال يحيى حربان الحريصي من أهالي جبل الحشر ان تلك الجريمة البشعة هزت الجميع وجعلت الحزن هو سيد الموقف لان مثل هذه الجرائم نادرة الحدوث في مجتمع متماسك يعرف الجميع بعضهم، وتابع ان المشاكل التي تحدث بين المتخاصمين دائما يجد لها «الاجاويد» وأهل الخير حلا توافقيا وبالنسبة للشاب القتيل بدر فقد كان من الشباب الطيبين ولكن هذا قضاء الله وقدره وقد سمعنا انه في آخر أيامه كان يبحث عن وظيفة، ووفقا ليحيى بشير معافا المعلم في مدرسة الحشر ان تلك الجريمة كانت حديث الجميع من طلاب ومعلمين في الحشر وقد خيم الحزن في المدرسة على جميع الطلاب رغم انه ترك المدرسة منذ سنوات طويلة وكان الجميع في ذهول ويتساءلون لماذا اقدم القاتل على صرع ضحيته وفي نفس السياق قال المرشد الطلابي بمدرسة المقبورة القريبة من موقع حدوث الجريمة ان هناك اسبابا تؤدي الى ارتكاب مثل هذه الجرام ومن أهمها العوامل النفسية حيث لا يتمكن الانسان من التحكم في تصرفاته ولكن بعد ذلك يندم على ما اقترفه من جرم.

واضاف ان سكان المناطق الجبلية يتصفون بالهدوء وصفاء النفس وكان الجميع لا يتوقعون مشاهدة جريمة مثل هذه.. وتابع ان الشاب بدر كان من الشباب الطيبين ولم تكن له أي مشاكل مع الآخرين. وقال مفرح مشعوري وكيل المدرسة ان مشهد الجثة والدماء تسيل منها ارتسم في مخيلة الطلاب كحدث تراجيدي من الصعوبة محوه حيث اصبح الطلاب طيلة اليوم الدراسي يتحدثون عن تلك الجريمة ويتساءلون عن مرتكبها وذلك قبل ان يسلم القاتل نفسه.

واضاف ان تفاصيل تلك الجريمة حولت الجبل الأخضر الوادع الى اللون الأحمر لان الجميع هنا غير معتادين على مشاهدة مثل هكذا جرائم.

وعن كيفية ضبط الجاني قال العقيد احمد فتحي جريبي مدير شرطة بني مالك ان احد المواطنين ابلغ عن الجثة الملقاة على الارض بجوار المدرسة الابتدائية للبنات وعلى الفور توجهت الى الموقع فرقة امنية فتمت معانية الجثة وكانت مصابة بطلق ناري.

واضاف انه بمتابعة من مدير شرطة منطقة جازان اللواء احمد القزاز وباشراف مساعد مدير شرطة المنطقة العميد عبيد الخماش فقد قامت الجهات الامنية بتحريات مكثفة لالقاء القبض على الجاني وتم التعرف عليه واثناء ذلك كان القاتل قد قام بتسليم نفسه للشيخ سلمان جبران آل غريقة «عريفة الجاني» والذي قام بدوره بتسليم القاتل ومعه اداة الجريمة الى شرطة بني مالك.

واضاف ان الجاني اعترف بجريمته وعلل ذلك بسبب مشاكل حدثت بينه والقاتل وتم تصديق اعترافاته شرعاً وتم رفع اوراق القضية للحاكم الاداري بمحافظة الدائر ومنها الى الجهات المختصة فيما تم ايداع الجاني السجن العام في جازان.