الآية الرابعة والثلاثون من سورة النساء المتعلقة بـ«القوامة» و«النشوز» جاء فيها قول الله تعالى: } الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، إن الله كان علياً كبيرا|.
ما هو الفرق بين هذين المصطلحين ..«القوامة»و «النشوز» ؟! وهل «القوامة» هي «ديكتاتورية» من الرجل أم أنها تنظيم لشؤون الأسرة؟! والأهم من ذلك..ماسبب قوامة الرجل على المرأة ؟!وهل تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة ؟!
بداية قبل الدخول في تفاصيل وتفسير هذا العلاج الرباني، يمكن تقديم تعريف مبسط لـ «القوامة»و «النشوز».
في هذا الجزء نتطرق إلى موضوع «القوامة» ثم نعرج الأسبوع المقبل إلى موضوع «النشوز» ثم نتطرق في حلقة ثالثة إلى العلاقة بين «القوامة» و «النشوز».
تعريف القوامة
القوامة في اللغة من «القيام»: أي قام على الشيء أي حافظ عليه ورعى مصالحه، ومن ذلك القيِّم والله تعالى قيوم السماوات والأرض.
أما التعريف الاصطلاحي فيقول الفقهاء:هي ولاية يفوَّض بموجبها الزوج بتدبير شؤون زوجته وبيته وكذلك الأب، والأخ والعم والخال والولي حسب سلم التقارب.
وقد روى المفسرون روايات في سبب نزول قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) أوثقها ما ذكره القرطبي من أنها نزلت في سعد بن الربيع حيث نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها، فقال أبوها:يا رسول الله: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لتقتص من زوجها» فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال عليه الصلاة والسلام: «ارجعوا هذا جبريل أتاني» فأنزل الله هذه الآية.
أيضاً يمكن هنا الاكتفاء بتعريفين وردا في كتب المفسرين هما:
قول أبوبكر ابن العربي في كتابه «أحكام القرآن»، فسر كلمة (قَوَّامُونَ) بقوله: يقال: قوَّام وقيِّم، وهو فعال وفيعل من قام، المعنى هو أمين عليها، يتولى أمرها، ويصلحها في حالها، قاله ابن عباس، وعليها له الطاعة.. ثم قال عندما ذكر القوامة: «فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة، ويحجبها، ويأمرها بطاعة الله، ويرغب إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام إذا وجبا على المسلمين، وعليها الحفظ لماله، والإحسان إلى أهله، والالتزام لأمره في الحجة وغيرها إلا بإذنه، وقبول قوله في الطاعات».
وقول الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره: «يخبر الله تعالى أنَّ الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء أي: قوَّامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوَّامون عليهن أيضاً، بالإنفاق عليهن، والكسوة، والمسكن»، وهناك قول لابن كثير في تفسيره: أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
مسببات القوامة
هناك سببان لقوامة الرجل..هما:أن حكمة الله اقتضت أن يكون الرجال قوامين على النساء بسبب ما فضل الله به الرجال على النساء من قوة في الجسم، وزيادة في العلم، وقدرة على تحمل أعباء الحياة وتكاليفها، وما يستتبع ذلك من دفاع عنهن إذا ما تعرضن لسوء.
والمراد بالتفضيل، كما يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي في تفسيره الوسيط للقرآن الكريم، تفضيل الجنس على الجنس لا تفضيل الآحاد على الآحاد، فقد يوجد من النساء من هي أقوى عقلا وأكثر معرفة من بعض الرجال.
والسبب الثاني للتفضيل فهو كسبيّ وقد بينه سبحانه بقوله: }وبما أنفقوا من أموالهم|، أي أن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء بسبب ما ألزم به الرجال ماله من إنفاق على النساء ومن تقديم المهور لهن عند الزواج بهن، ومن القيام برعايتهن وصيانتهن.
لكن الشريعة وضعت لـ«القوامة» حدوداً ونظاماً متكاملاً يتمثل في توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الزوجين، ويبين لكل منهما ماله من حقوق وما عليه من واجبات، ويبين أيضاً حدود المعاشرة الحسنة المطلوبة وأصول التعامل المقبول بين الزوجين.
نطاق القوامة
يقول المستشار الأسري جاسم المطوع «الناس اختلفوا في فهم القوامة، وعلى قدر ما أدركه الناس بعقولهم من هذا المفهوم كان سلوكهم، الأمر الذي أدى إلى اختلاف أحوال النساء: فهن إما مظلومات أو ظالمات مستبدات، أو متمتعات بحقوقهن الكاملة»، موضحاً أن «القوامة» لم تظلم المرأة، إنما الفهم الخاطئ هو الذي ظلمها وأساء إليها فإن فهم الناس اليوم حقيقة «القوامة» ـ كما نزلت وكما أرادها الله عز وجل ـ أظهرت لهم عدة نتائج:
ـ «القوامة» إن قيدت المرأة فقد قيد الرجل معها، فلا يجوز للزوج قوامة الأسرة حسب مزاجه وهواه، بل عليه أن يسوس الأسرة بالمعروف وبتقوى الله، فالزوج القوّام محكوم بأوامر الشريعة ونواهيها فعليه تجنب الظلم، والابتعاد عن التعسف في استعمال الحق ولا يتحقق هذا إلا بتقوى الله والعلم الصحيح بما تعنيه «القوامة»وبالتروي واجتناب الغضب والانفعال خوفا من عمل خاطئ متسرع، وبالمدارسة الجيدة الشاملة المتوازنة لأي أمر قبل استخدام الزوج سلطته واتخاذه قرارا بشأنه، فالزوج القوام مقيد بقوانين الشريعة الإسلامية ويجب على الزوجة الامتناع عن طاعة الزوج في الأمور المخالفة للشرع لأنه(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
ـ «القوامة» إن ظلمت أحدا فالمظلوم هو الرجل!ذلك أن الرجل يدين نفسه عندما يردد هذه الآية:(الرجال قوامون على النساء) كل حين لأنها تلزمه بتحمل مسؤولية القوامة والقيام بأعبائها.
ـ «القوامة» فضلا على أنها عبء معنوي ومادي يتحمله الرجل في الدنيا فهو يسأل عنه يوم القيامة:( إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) رواه النسائي، وقال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً).
وأضاف المطوع: «القوامة لا تمنع الزوجة من أن تنتقد زوجها وتأخذ على يده ليعدل سلوكه ويتجه صوب الأحسن والأكمل، فالرجل بشر يخطئ ويصيب، ولما كان للمرأة الحق في أن تأمر الناس جميعا بالمعروف وتنهاهم عن المنكر أفلا يكون من واجبها أن تأمر زوجها بالمعروف؟خاصة أنه أقرب الناس إليها فهي ترى عيوبه وتعرف مواطن الضعف عنده وأماكن الخلل في تصرفاته، فيكون من واجبها المسؤولة عنه أن تنهاه إن أخطأ في قوامته عليها أو في حق من حقوقها أو في أي أمر ، وعليه الاستجابة ولها الأجر».
كما يحدد المطوع نطاق «القوامة» موضحاً بأنه ليس شاملا لكل أمر وإنما هو محصور مقصور، فالقوامة لا تكون إلا داخل الأسرة، فلو كانت مثلا امرأة رئيسة لزوجها في العمل كانت هي القيمة عليه في مكان العمل، وخلال ساعات الدوام، فلا يستطيع إجبارها على تنفيذ أو إقرار أمر لا تريده ولا يتماشى مع مصلحة العمل بدعوى القوامة، بل عليه الامتثال لأوامرها حسب القوانين التي تقتضيها مصلحة العمل.
القوامة والشورى
الدكتورة هبة رؤوف ـ مستشار شبكة إسلام أون لاين.نت وأستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة ـ أوضحت أن «القوامة» لا تعني إدارة البيت، فالإدارة شراكة بين الرجل والمرأة وحتى الأطفال ـ كل منهم يقوم بنصيبه في الإدارة ـ وتدخل الرغبات المعقولة لكل منهم في شأن الإدارة، والإدارة شورى داخل هذه البنية الاجتماعية الصغيرة، ولا ينبغي أن يستبد طرف بالأمر كله، بل تؤخذ آراء كل الأطراف في الاعتبار في حدود الشرع، وتكون «القوامة» هي الكلمة الفاصلة التي يحتاجها البيت عند نشوب خلاف لا ينهيه إلا كلمة فصل، فرئاسة الأسرة رئاسة شورية لا استبدادية. وأكدت الدكتورة هبه أن مفهوم «القوامة» لصيق بخصوصية الأسرة الزوجية الصغيرة وأهميتها، حيث تعد الأسرة الصغيرة نموذجاً مصغراً للأمة وخصائصها، تنعكس فيه القيم الأساسية التي تحكم النظام الإسلامي، ووردت صيغة «القوامة» في الاستخدام القرآني في ثلاثة مواضع، وليس في موضع واحد كما تقتصر معظم الكتابات التي تتناول المفهوم في آية «الرجال قوَّامون…»، بمعزل عن الآيتين الأخريين، حيث ورد اللفظ في قوله تعالى:«الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ...»، وقوله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ...»، قوله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْط» مشيرة الى أن «القوامة» إحدى صفات المؤمنين ـ رجالاً ونساء ـ وترتبط بالشهادة على الناس، وتعني القيام على أمر هذا الدين وفق الشرع، والالتزام بالعدل والقسط وهي صفة من صفات الله سبحانه التي يجوز من عباده التخلق بها إذ إنه «القيُّوم».
هدفها مراعاة حقوق الأسرة وليست تسلطاً
«القوامة».. هل هي مدخل لديكتاتورية الرجل؟
23 أغسطس 2006 - 18:29
|
آخر تحديث 23 أغسطس 2006 - 18:29
«القوامة».. هل هي مدخل لديكتاتورية الرجل؟
تابع قناة عكاظ على الواتساب
طالب بن محفوظ