لماذا تتوسع وتزداد المشاكل الأسرية حتى تتحول إلى ظواهر بحاجة للتصدي بين الدراسة والعلاج؟ ولماذا تختلف الأسر في طبيعتها بين مسارات الشقاء ومسارات السعادة؟ ولماذا تنعم بعضها بالسعادة الأسرية بينما تتعذب أخرى بالشقاء الأسري؟
هناك فرق بين من يرى السعادة في التنعم بالحياة المادية، كاقتناء المال والمسكن وكثرة الأولاد والبنات ونيل الجاه والنفوذ والسلطة، أو من يرى السعادة في الرضا النفسي والراحة المعنوية، كالفرح بالتعليم، مثلا، والحصول على الشهادات العلمية. لذا راحة الأول في راحة الجسم ولا يعبأ براحة الروح إلا ما ندر، وراحة الثاني في سعادة الروح ولا يعبأ بتعب الجسد إلا ما ندر. السعادة هي الحياة الطيبة بتعبير القرآن المبين: «من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهُم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون». النحل97. فالحياة الطيبة عنوان واسع للسعادة العامة للمجتمع والسعادة الخاصة بالأسرة والفرد أيضاً. وجاء في تفسير الآية: «الحياة الطيبة» في هذه الدنيا هي النتاج الطبيعي للعمل الصالح النابع من الإيمان، أي أن المجتمع البشري سيعيش حينها حياةً هادئة مطمئنة ملؤها الرفاه والسلم والمحبة والتعاون، بل كل ما يرتبط بالمجتمع من المفاهيم الإنسانية، وفي أمان من الآلام الناتجة عن الاستكبار والظلم والطغيان وعبادة الأهواء والأنانية التي تملأ الدنيا ظلاماً وظلامات. بعد ذلك يكون المؤمن في الحياة الطيبة مرتاح الضمير راضياً بعيشه ويعيش عيشاً طيباً. أما الحياة الشقية فهي من المشقة والشقوة، ونجدها في تعابير قرآنية مختلفة، منها: «طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» طه2، لأن الشقاء استمرار ما يشق على النفس، والسعادة عكسه، أي لم يكن نزول القرآن عليك لأجل شقائك وإنما لأجل سعادتك وراحتك. ومنها: « فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى» طه 123، أي لا يضل طريق السعادة، ولا يشقى بالبقاء في تعب ونصب.
ومنها: «ربنا غلبت علينا شقوتنا» المؤمنون106. أي غلب علينا قهرنا واستولت علينا شقوتنا التي اكتسبناها بسوء اختيارنا. الشقوة والشقاوة والشقاء، هنا، خلاف السعادة، وسعادة الشيء ما يختص به من الخير، وشقاوته فقد ذلك، وإن شئت فقل: ما يختص به من الشر. والشقاوة والسعادة ليستا إلا نتيجة لأعمالنا وأقوالنا ومقاصدنا. والشقاوة أيضاً: المضرة اللاحقة في العافية والسعادة...ويقال لمن حصل في الدنيا على مضرة فادحة شقي. والمشقة في اللغة: الصعوبة والمحنة والعناء. وهي من المشاقة والشقاق والشقة: غلبة العداوة والخلاف، وهي الشدة والجهد والعناء. والشقاء والشقاوة: ضد السعادة.
الآيات والأحاديث المعبرة عن السعادة والشقاء تتمحور في مطالبها النهائية حول السعادة الدائمة في الآخرة، وكذلك عن الشقاء الدائم في الآخرة، لكن في مضامينها تتحدث أيضاً عن السعادة والشقاء حول مناحٍ متعددة من الحياة الدنيا، ومنها بالطبع السعادة الأسرية.
كما للسعادة مقدمات هي بمثابة الطرق التي توصل إليها، كذلك للشقاء طرق تؤدي إليه. سنة الحياة والطبيعة تقوم على الأسباب والمسببات. فالدخول للبيوت ينبغي أن يكون من أبوابها، والعلاج من الأمراض يتطلب تشخيصاً طبياً ووصفة علاجية يتم الالتزام بها، وبلوغ المراتب العلمية يتطلب الجهد والمثابرة في الدراسة والتعلم...الخ. طرق الوصول للسعادة ينبغي أن تكون طرقاً متوافقة مع طبيعة الوصول إلى ما يراد الوصول إليه، أو الحصول على ما يراد الحصول عليه، لأن الطرق المغلوطة والسبل المنحرفة لن تفضي إلا لشقاء الأسرة. بعض من تلك الطرق مدار حديثنا لاحقاً.
kshabib@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة
الأسرة بين السعادة والشقاء
18 فبراير 2009 - 22:42
|
آخر تحديث 18 فبراير 2009 - 22:42
تابع قناة عكاظ على الواتساب