قبل ثلاثة اشهر أهداني الصديق حمد عبدالعزيز العيسى آخر اعماله وهو ترجمته لعمل جميل هو (عقل غير هادئ.. سيرة ذاتية عن الهوى والاكتئاب والجنون) لمؤلفته الدكتورة كاي رفيلد جاميسون, وقد قدم لهذا العمل الاستاذة الفاضلة أمل زاهد رئيسة القسم النسائي بالنادي الأدبي بالمدينة المنورة والكاتبة الموهوبة. لقد سعدت بالهدية واتصلت بمترجمها شاكراً له هذه اللفتة فعرفت أنه يمر بحالة صحية حرجة وأنه يرقد بمستشفى ارامكو بالظهران وكانت معنوياته مرتفعة وصوته الحيوي يعطي ثقة بتحمل ما طرأ.. بالرغم من ان هذه الحالة ليست الأولى فقد علمت أنه مر بأزمة صحية منذ اربع سنوات قبل تقاعده المبكر عن العمل في شركة ارامكو وبقي بعض الوقت في امريكا للاستشفاء وعاد ولله الحمد بصحة وعافية فربما كانت الحالة التي مرت به. ومن ضمن وسائل العلاج كانت مثابرته على القراءة والابداع, فكان ان اطلع على هذا العمل (عقل غير هادئ) بعيد صدوره فبدأ ترجمته والتعليق عليه بهوامش ومعلومات موسعة وقد و فق باختيار الاستاذة امل زاهد في تقديمها للعمل اذ قالت:.. فالخطاب الاجتماعي يجبر الناس على التكتم والتعتيم على هذه المعاناة. واحاطة انفسهم بالسرية الشديدة, حتى لا يتهموا في عقولهم, فيؤثر المريض ابتلاع معاناته, وازدراد آلامه وحده دون مساعدة طبية, وغالباً ما يلجأ في مجتمعاتنا العربية للمشعوذين والدجالين أملاً في التخلص من شباك عذاباته!...
وقالت الأستاذة أمل زاهد في وصفها للكتاب,.. والقارئ وهو يلهث متنقلا بين صفحات الكتاب لا يملك الا ان يعجب بالدكتورة جاميسون, التي قررت في لحظة صادقة أن تخلع الأقنعة وتمزق الأحجبة, وتخرج على الملأ لتحكي تجربتها الرهيبة مع مرض قاس يطلق عليه (ذهان الهوس الاكتئابي) غير مبالية بما قد يجره عليها ذلك البوح من سمعة سيئة قد تكلفها ليس فقط عملها الاكاديمي والعلاجي ولكن احترام الناس لها, خاصة ان عملها مرتبط بمعالجة الارواح القلقة والنفوس المعذبة..».
فالكتاب كما قلت صرخة صادقة ودعوة للبوح والمكاشفة, ولعلها دعوة من الأستاذ حمد العيسى للأقلام العربية للبوح والمكاشفة ولولوج اماكن لم تطاها من قبل..».
ولي عودة الى هذا العمل الكبير.. انما الذي أريد أن أقوله للأستاذ حمد العيسى وهو يرقد في مشفى بأمريكا أنك قدمت عملا تشكر عليه وسيخلد لك وبك.. ونريدك أن تتغلب على المصاعب والظروف الصحية, لتعود لنا وانت كما عهدناك قوياً صلباً منتجاً مبدعاً ولك مكانك ودورك.. لن يُنسى لك ما قدمته من اعمال ابداعية واختياراتك لما تترجمه من افضل وأرقى الأعمال مثل» وارث الريح «لجيروم لورنس وروبرت لي, وكذا «النصوص المحرمة.. ونصوص اخرى «لماكوم اكس, ومجموعته القصصية (اسبوع رديء جدا).
فقلبي معك وقلوب المحبين لك وانت في مشفاك وفي غربتك.. ونعرف انك بصلابتك وقوة عزيمتك وإيمانك ستتغلب على مرضك. وقد سمعت منك بالامس أنك بدأت تعتمد على نفسك دون مساعدة أحد في القيام والقعود.. وأن البرنامج التمريني والتأهيل الصحي قد اكسباك فائدة مطردة, وأنت يا صديقي لا تحتاج الى من يذكرك بجمال الحياة ونشوة الفرح عندما يبدع الإنسان ويقدم عملا مفيداً للوطن وللمجتمع.. فكما قال ناظم حكمت (الحياة جميلة يا صاحبي) وعندما روى جزءاً مما تعرض له في نضاله لبابلو نيرودا رد عليه الأخير: أنت الآن تعلمنا متى نغني!».
وليس خافياً عليك ما قاله إيليا أبو ماضي: «قلت ابتسم لو كان بينك والردى شبر.. فإنك بعد لن تتبسما». وأنت كما أعرف لديك مشروع وطني توعوي.. وعليك مسؤوليات لم تنجز بعد فهي تنتظرك.. فعد لها ولنا. واسلم لنا جميعاً وللوطن.
محمد عبدالرزاق القشعمي